نظرية المعرفة
جدول المحتويات
الواقعيون والفلاسفة
إنّ الإنسان يُدرك بوجدانه وعقله أنه يُوجد أشياء في الخارج، فهو يرى شمساً وقمراً ونجوماً، ويُدرك الحُبّ والبغض، ويحس بالجوع والعطش، فهذه الأشياء يجزم بها ولا يشك ولا يتردد في تحقّقها.
والحاصل أنّه يقطع بوجود الأعيان الخارجية، كما أنّه يرى من نفسه القدرة على العلم بها.
السوفسطائيون
وفي القبال هناك من أنكر وجود الأشياء الخارجية وهم «السوفسطائيون»، وكذا «الشّكاكون» – أصحاب مذهب الشك – الذين يشكون في تحقق الواقع الخارجي!
إنكار العلم بالواقع
وهناك فئة وإن كانت لا تُنكر الواقع الخارجي، إلا أنّها تقول: لا يمكن أن نُدرك ونعلم بالأشياء الخارجية! وهذه سفسطة ثانية، ولكن في مجال العلم والمعرفة!!
رد السفسطة ومذهب الشك
وعلى كل حال، فالسفسطة ومذهب الشك، لا يمكن القبول بهما وذلك لمخالفتهما للبداهة والفطرة السليمة، مُضافاً لعدم قيام الدليل على مذهبهما، بل وقيام الدليل على بطلانهما، كما ذكر في علم الفلسفة.
يوجد واقع خارجي ونحن نعلم به
والنتيجة أنه يوجد واقعٌ خارجي، ونحن يمكننا أن نعلم بالأشياء الخارجية، فهل المتحقق في الخارج هو فقط الأمور المادية التي يمكن أن تدرك بالحواس، أو أنّ الواقع الخارجي هو أعم من ذلك، فهناك في الخارج أمور مادية، كما أنه توجد أمور مجردة غير مادية؟
والسؤال الثاني: ما هي طرق المعرفة؟ فهل الحس فقط وأدواته هو الطريق الوحيد للتعرف على الأشياء الخارجية، أم أنّه توجد طرق وأدوات أخرى للمعرفة؟ وما هي هذه الأدوات والطرق؟
الموجودات مادية ومجرّدة
الواقع الخارجي ينقسم إلى قسمين:
- القسم الأول: وهو عبارة عن الموجودات المادية المحسوسة مثل الكتاب والقلم والكرسي والماء والطعام و…، فهذه الأشياء توجد في الخارج، وهي أمور مادية، ندركها بأحد أدوات الحس الخمسة: فالألوان ندركها بالعين، والرّوائح ندركها بالشم والأجسام الناعمة أوالخشنة ندركها باللمس وهكذا.
- القسم الثاني: وهو عبارة عن الموجودات غير المادية، وهي موجودات عينية خارجية متحققة، لا أنّها أمور موهومة ومتخيلة وهي موجودة، وإن لم نستطع أن ندركها بأدواتٍ أخرى غير حِسّية.
ومثال على الموجودات المجرّدة: وجود الملائكة ووجود الروح ووجود الله تعالى.
والحاصل أنّ الموجودات الخارجية إمّا مادية وإمّا مجرّدة، فلا يقتصر الوجود على الموجودات المادية، وهذا بخلاف «النظرية الغربية» التي لا تُؤمن إلا بالحس وبالموجودات المادية، فترى أنّ كل ما لا يناله الحس فهو غير موجود!!
طرق المعرفة
إنّ طرق ووسائل ومناهج المعرفة متعددة، ولكلّ منها مجاله ودائرته الخاصة، وهي:
- الحس: ونقصد بأداة الحس العين التي ترى المبصرات، والسمع الذي يدرك الأصوات، وحاسّة الشم واللمس والتذوق فهذه الحواس الخمس تُدرك الأمور المادية المحسوسة، وكل حاسة لا تتجاوز ذلك حيث لا يمكن لحاسة التذوق مثلاً أن تشمَ الروائح، وهكذا الحال في بقية الحواس.
- العقل: ونقصد به القوة الذهنية التي يتمكن الإنسان من خلالها على إدراك الكليات وتعقّل الأشياء من خلال البرهان والاستدلال.
فمثلاً: تسمع طرق الباب، فإنّ العقل يحكم ويدرك بوجود الطارق، وإذا رأى دُخاناً أدرك العقل بوجود النار، وهكذا يحكم العقل بوجود العلّة متى ما وجد المعلول، كلُ ذلك اعتماداً على القوة الذهنية في الإنسان المبتنية على البراهين والملازمة وتشكيل القياسات المنطقية والفلسفية.
- الكشف والشهود: فالإنسان عندما يهذِّب نفسه، ويطوي مراحل السير والسلوك، ويُصفّي باطنه، ويقلّل من ارتباطه بالمادة، فإنه تحصل له حالة يتمكّن من خلالها على كشف الأشياء والتّعرف على أمور لا تُدرك بالحواس الظاهرة.
ومثال ذلك: انكشاف حقيقة الذي يغتاب الناس ورؤيته بالقلب على أنّه يأكل لحم الذين يغتابهم!
- الوحي: فالأنبياء والأئمة؟عهم؟ لهم طريق خاص في التعرف على الحقائق وهو طريق الوحي؛ فالأنبياء؟عهم؟ يتّصلون بالسماء من خلال الوحي، حيث يحصلون على التعاليم والقوانين والتشريعات، وغير ذلك لا بالحس ولا بقوة العقل ولا بالكشف والشهود، بل بطريق الوحي الخاص ببعض العباد!
والحاصل أنّ «الرؤية الكونية الإلهية» لا تحصر طريق المعرفة بالحس فقط – كما عليه الرؤية الإلحادية – بل ترى هذه الطرق الأربعة، ولكلٍّ منها مجاله الخاص وحدوده التي لا يتجاوزها.