قانون الأحوال الشخصية

تمهيد

إنّ من المواضيع التي شغلت الساحة الداخلية في البحرين خلال هذه السنوات الأخيرة حتى أقروه وعملوا به أخيراً، هو قانون الأحوال الشخصية، ونحن نتعرض له في ختام البحوث باعتبار أهمية الموضوع، ولدخله في النظرية السياسية ولكونه أحد معطيات الدولة المدنية.

فما هو المراد من «الأحوال الشخصية»؟ وهل للإسلام رؤية في الأحوال الشخصية تغاير الرؤية الغربية؟ ولِمَ هذا الإصرار من قبل الدولة على إقرار وتنفيذ هذا القانون، خصوصاً في مثل هذه الظروف الحسّاسة على الساحة الداخلية والساحة الإقليمية والخارجية؟ وما هي المضاعفات والآثار المترتبة على هذا القانون؟!

معنى الأحوال الشخصية

إنّ «قانون الأحوال الشخصية»: هو القانون الذي يُعنى بشأن الحياة الأسرية وما يرتبط بها من أحكام وتشريعات؛ فالحياة الأسرية تعتبر اللبنة الأساس في المجتمع والقاعدة التي يقوم عليها بناؤه، ولذلك فلا بُدَّ من وجود قوانين وتشريعات أسرية تُحفظ فيها الحقوق، وتُبيّن فيها الواجبات، وتمنع أي نوع من التعدي والتجاوزات، وأحكام الأسرة «الأحوال الشخصية» تشمل أحكام الزواج والطّلاق والرضاعة والحضانة والإرث وغيرها مما له دخل في أحكام الأسرة.

الإسلام والأحوال الشخصية

والإسلام كما يحتوي في قوانينه وتشريعاته على الأحكام الفردية، فإنه أيضاً يشتمل على الأحكام الأسرية، فهذه الموسوعات الفقهية تحتوي على كل التشريعات والقوانين التي ترتبط بالزواج والطلاق والنّفقة والرضاعة والحضانة والإرث و…، بل إنّ التشريعات والقوانين الأسرية في الإسلام لا تُجاريها قوانين وضعية بشرية.

الغرب والأحوال الشخصية

والغرب الذين أعرضوا عن شريعة السماء ولم يقبلوا بأحكام الأنبياء (عليهم السلام)، فإنّهم عندما أقاموا حكوماتهم، ووضعوا التّشريعات الخاصة بأحكام الأسرة، فإنّهم رجعوا إلى عقولهم القاصرة وذواتهم الجاهلة، فأقرّوا قوانيناً لأحكام الزواج والطلاق والإرث و…، وهي أحكام تعارض – في كثير منها – أحكام السماء.

البحرين والأحوال الشخصية

وللأسف أن نجد دولة تدّعي الإسلام وهي ترفض أحكام الإسلام في أحوال الأسرة، لتستبدلها بأحكام الاسرة الغربية أوبالرجوع إلى البشرية ويرفضون الوحي والنّبوة والكتاب والسنّة، ويقبلون بنتاجات وأفكار ماركس وانجلز وهيوم وباركلي وغيرهم من علماء الغرب.

نعم، وكأنّهم لم يُسلموا وإنّما استسلموا، فلمّا وجدوا لهم أعواناً أعلنوا الكفر والعناد، فكيف يُرفض إسلام نبينا محمد (ص)، ومذهب الإمام جعفر الصادق (ع)، لتأتي العقول الواهية والنّفوس النتنة لتُشرِّع وتقنّن الأحكام الأسرية، فتفسد أهم لبنة من لبنات المجتمع، وتؤدي إلى تداعي بنيان المجتمع وسقوطه المدوّي!

وهكذا، وفي الملأ مجتمعين جهاراً، يُعلنون رفض الإسلام في قانون، لتأتي النوبة لبقية القوانين الإسلامية لتُستبدل بقوانين إلحادية، فلا يعبد الله في أرضه بعد أن شاركوه في تشريعاته، وكما قال قائلهم: البحرين كانت وستبقى دولة مدنية! وعلى البحرين السلام إذ بُليت بمثل هؤلاء اللئام!

بين النظرية والتطبيق

ولكي يوهموا ضِعاف العقول، ويبرّروا هذا الشرك المهول، ذكروا مجموعة من المبررات التي دعتهم لوضع هذا القانون الموحّد لأحكام الأسرة:

منها أن قوانين الأسرة السابقة لا تحلّ المشاكل بل تعقّدها، فكم من قضية ظلت تراوح المحاكم – الجعفرية والسنية – سنوات متمادية ولم تجد لها مخرجاً، في الطلاق والإرث و…، والسبب – كما يدّعون -: أن هناك مشكلة في «قوانين الأسرة الجعفرية / السنية»، فلا بُدّ من استبدالها بقانون جديد، ولأنّ البحرين مزيجٌ شيعي وسني، فقد يتزوج الشيعي من السنية وكذا العكس، فلا بُد من وجود «قانون موحّد» للشيعي والسني! وبهذا العمل نقوم بحلِّ معضلة للأحكام المرتبطة بأحكام الأسرة من خلال «القانون الموحّد للأحوال الشخصية».

ونقول: لا ينبغي الخلط بين النّظرية والتطبيق؛ فالإسلام بتشريعاته لا مجال لإيراد النقض والإشكال عليه، فهي تشريعات نازلة من الله تعالى العالِم الحكيم.

نعم، قد لا يطبِّق المسلمون الإسلام كما ينبغي، فلا يعملون بأحكام الله تعالى كما ينبغي، فتقع المشاكل والمصائب، وهؤلاء يَحمِلون خطأهم في التطبيق – والذين هم السبب فيه – على أصل الإسلام وتقنيناته، ويرتّبون على ذلك: ضرورة استبدال أحكام الإسلام بأحكام غيره!

فلا هم شخّصوا الداء،ولا عرفوا الدواء: فادّعوا الداء في أحكام الإسلام والحال أنّ الداء في تطبيقهم المنحرف، واقترحوا الدواء بوضع أحكام الشيطان، والحال أنّ الدواء في متابعة أحكام السماء.

وهكذا يضلّ الزعماء وتتيه الشعوب: فتشقى دنياهم ويخسرون آخراهم!

ما بعد الأحوال الشخصية

إنّ المشروع هو «علمنة الدولة» وسلبها إسلامها ودينها، وتجريدها من عقائدها وأخلاقها لتصبح هذه «الأمّة المسلمة» كافرة جاحدة، مطيعة للغرب وطغاته، عاصية لله وأنبيائه (عليهم السلام)!

فالأنظمة الديكتاتورية التي كانت وما زالت تُؤَمِّن مصالح الغرب المستعمر، هي الآن في زوال فالعروش تسقط تباعاً واحداً بعد أخر، وهل يقف أسيادهم متفرجين وهم يرون مصالحهم – ومن يؤمّنها لهم – تذهب؟

كلا، فهم قد وضعوا الخطة وأعدّوا العدّة؛ فبعد الاستعمار جيء بالأنظمة الديكتاتورية، والزّمن الحالي هو وقت ولادة «الدولة المدنية» التي تُؤمِّن مصالح الغرب المستعمر وتحفظ أطماعه في الدول الإسلامية، ولكن هذه المرة من خلال «الغزو الفكري» وقناعة الأمة نفسها!

فالاستكبار العالمي يستشعر الخطر قبل وقوعه بمئات السنين، واليوم يحسُّ بالخطر مضاعفاً، خصوصاً بعد قيام الثورة الإسلامية والتي انتجت هذه الدولة المباركة التي أصبحت شوكة في عيونهم وشبحاً يرعبهم في منامهم ويقوّض أطماعهم.

فالاستكبار العالمي يعمل ليلاً ونهاراً وعلى كل الأصعدة: العسكرية والاقتصادية والسياسية والثّقافية و… إلخ، وما أطروحة الدولة المدنية وما تحتاجه في وجودها كقانون الأحوال الشخصية إلا من أجل أن لا تفكّر الشعوب بإقامة «الحكومة الإسلامية» والالتهاء بالتفكير بإقامة الأنظمة الديمقراطية التي تتكفل بإيجاد الحرية والتعددية و… حسب الموازين الغربية، وفي الختام إقامة الدولة المدنية وللأسف قد لا يتمكن عموم الناس من إدراك أنّها عبودية للشيطان ورقٌّ للشهوات واستعمارٌ للغرب بلباس جديد!

والحاصل أنّه لا يمكن الاستعانة بقانون الأحوال الشخصية ولا يجوز السكوت عنه؛ فقد حاربوا الله تعالى في بلاد الإسلام ممّن يدّعون الإسلام، وهؤلاء وقوانينهم لا بُدّ من مجابهتها ومقارعتها حتى آخر قطرة من الدماء، فالدين أعز ما لدينا، ومتى ما تعرّض للخطر – كما هو الآن – فهناك من أبناء الأمّة الإسلامية من لا يطيب لهم الرّقاد ولا يهنأ لهم الطعام ولا يسوغون الشراب حتى يُعزُّوا هذا الدين ويحاربوا من حاربه فإما نصرٌ مؤزر وإما شهادة ترضي الله تعالى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى