القيامة

<إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ 1 لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ 2 خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ3 >[1]

أخي ..

بعد أن عشنا في الدنيا .. وبعد أن حلّ علينا الموت وانتقلنا إلى «عالم القبر والبرزخ» .. وبعد انتهاء هذا العالم .. فإنه تأتى الحياة الآخرة وعالم القيامة ويوم الحسرة والندامة ويوم التغابن والبعث ويوم الوعيد ..

ولا شكّ ولا ريب في وقوع القيامة .. ليس لوقعتها كاذبة .. وفي ذلك اليوم «يوم القيامة»: هناك من يعلو شأنه ويرتفع مقامه وهم المؤمنون في الدنيا، وهناك من يهبط شأنه وينزل مقامه وهم الكافرون والفاسقون و…

البعث من القبور

<يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ ۚ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ 1 يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ>[2]

إنّ من أعظم وأشد الأوقات التي تمرُّ على الإنسان: هو البعث من القبور والخروج من ضرائح اللّحود، حيث تنتهي مدة «الحياة البرزخية» و يأتي الانتقال إلى «عالم الآخرة» ..

عندما تأتي «الصيحة» .. وهي مخوفة مهولة .. ليقوم الجميع وينفضوا تراب القبور، ويفارقوا تلك «الحياة البرزخية» .. ولكن بأي حالٍ يكون البعث؟! .. إنّ الأموات يعيشون الخوف من مثل هذه الصيحة، ويبيتون متوجّسين من مثل هذا النداء: حيث الانتقال إلى «عالم القيامة» وما فيه من أهوال .. إنّ الرأس ليشيب من مثل هذه الصيحة، والطفل يغدوا كهلاً لهولها فهذه «القيامة» ستقوم، والواقعة ستحلّ، والوعيد يقترب ..

قصة الخوف من يوم القيامة

يروى أن النبي عيسى (علیه السلام) كان يمشي مع الحواريين، فمرّوا على قبرٍ، فقال أحد الحواريين: يا روح الله، لو أمرت صاحب هذا القبر بأن يحيا كي نسأله عن بعض الأهوال. فقام النبي عيسى (علیه السلام) بإحياء الميت بإذن الله تعالى، فلمّا عاد الميتُ إلى الحياة، وكان شاباً وإذا به قد ابيّض شعره، فسألوه: لم هذا الشّيب وأنت شاب؟! فقال: ما كان هذا الشّيب موجوداً فيّ، ولكن عندما جئتم لإحيائي تصوّرت بأنه جاءت «القيامة» فأصابني ما أصابني من الخوف والهول ما جعل شعري يشيب! فكل الأموات يخافون من مثل هذه الصيحة والنداء بالخروج والبعث من القبور ..

الحشر

بعد أن يخرج «الأموات» من القبور، فإنّهم يذهبون إلى صحراء المحشر؛ ليقفوا للحساب وجزاء الأعمال والثواب أو العقاب! ويا له من موقفٍ عظيم وحالٍ عصيب؛ حيث يُحشر كل الناس في مكانٍ واحد، كلُّ شخصٍ مشغول بنفسه ولا يلتفت إلى غيره؛ لأنّ الموقف عظيم ومخيف!!

وهناك من لا يجد لقدمه موضعاً ليقف عليه ..       

وهناك من يشتد به العرق حتى يصل إلى الفم ..

وهناك من يعيش الظلمة فلا يهتدي إلى الطريق ..

وهناك من يُحشر عارياً أمام الخلق لا يستره شيء ..

أخي ..

إن مواقف يوم القيامة صعبة و شديدة، حيث يتمنّى كل إنسان لو أنه يعود إلى الدنيا؛ فيعمل الصالحات ولا يرتكب المحرّمات، بعدما رأى الأهوال .. فإن الموقف مهولٌ مهولٌ!!

قصة هول الموت

يروى بأن النبي عيسى (علیه السلام) قام بإحياء أمه السيدة مريم (علیها السلام) بعد مدةّ من وفاتها، وعندما رجعت إلى الحياة، سألها النبي عيسى (علیه السلام): يا أماه لو رجعتِ إلى الدنيا فماذا ستعملين؟! فقالت (علیها السلام): أتمنى أن أرجع إلى الدنيا لأُصلّي لله في ليلةٍ شديدة البرد، وأصوم لله في يومٍ شديد الحر، فإن الموقف مهولٌ و شديد.

قصة وضوء الإمام الخميني لصلاة الليل

إن «يوم القيامة» هو اليوم الذي تتكشّف فيه حقائق الأشياء، ويرى الناس حقائقه وحقائق أعمالهم؛ فهو يوم ظهور كل ما كان مستوراً <يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ>[3] .. وهو اليوم الذي يُرفع فيه الستار عن أعيننا فنرى الأمور بعين البصيرة: <لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ>[4]

يُنقل أن الإمام الراحل؟ق؟ عندما كان شاباً يدرس العلوم الإسلامية في المدرسة الفيضية في مدينة قم المقدسة، وفي أيام الشتاء كان الجوُّ بارداً إلى حدّ أن الماء الذي في الحوض تتجمّد الطبقة العليا منه، فكان الإمام؟رضوت؟ لأجل أن يؤدي «صلاة الليل» كان يُكسّر الجليد ويتوضأ من ماء الحوض الجامد، فما كان بردُ الماء ولا صقيع الماء يمنعه من المناجاة والقيام لصلاة الليل والناس نيام.

يروى عن الإمام العسكري (علیه السلام): «إن الطريق إلى الله سفرٌ لا يُدركُ إلا بامتطاء الليل».

فهل ستترك صلاة الليل بعد اليوم؟!

تجسّم الأعمال

فكل عملٍ، صالحٍ أو طالح، فإنّ له صورة ملكوتية باطنية: فسيُبعث البعض على صورة القردة والكلاب والخنازير ..

ويبعث البعض على صورة الشياطين ..

ويبعث البعض على صورةٍ تحسن معها صور الكلاب والخنازير (أي أن صورهم أقبح من شكل الكلاب والخنازير!!).

والبعض يمشي على وجهه! وآخر معلّق من شعره! وثالث يأكل جسمه!

أخي ..

يمكننا في هذه «الحياة الدنيا» أن نعمل بعض الذنوب والمعاصي، من دون أن يكتشفنا أحد، وِمن دون أن تتغيّر صورنا وأشكالنا. ولكن هل فكّرت بأن الله تعالى يراقبك ويعلم بما تعمل من معاصي في الخلوات؟!

وهل فكّرت بأن الله تعالى سوف يغيّر صورتك وشكلك إلى كلبٍ أو شيطان؟!

قصة تجسّم شرب الخمر

يروى أن رجلاً شاباً كان يُدمن «شرب الخمر» وكانوا ينهونه عن ارتكاب هذا المحرّم، إلا أنه ما كان يُصغي للناس! وبعد مدّة تزوّج ورُزِقَ بـ«ابنة» جميلة تعلقّ بها، وفي يومٍ من الأيام وبينما يلعب مع ابنته إذ تشمُّ منه رائحة كريهة وهي «رائحة الخمر»، فكانت تقول له: بابا لا تشرب منه. وكلما رأته يريد أن يشرب الخمر، قامت إلى أبيها وأخذت الشراب وسكبته! إلى أن توقّف عن شرب الخمر محبةً لابنته!

ومرّت سنوات والأب متعلق القلب بابنته، وبسببها ترك شرب الخمر، إلى أن جاء ذلك اليوم الصعب على الأب حيث يفقد ابنته الحبيبة فتموت بعد أن أصابها المرضّ فظلّ الأب حزيناً على فراق ابنته الحبيبة، ولازم البيت وبعد مدّة رجع إلى عادته السابقة وقام بشرب الخمر!!

وفي يوم من الأيام وبينما هو نائم، وإذا يرى في المنام «ثعباناً عظيماً» يتوجّه إليه يريد أن يأكله، فهرب الأب منه والثعبان يلاحقه إلى أن وصل الأب إلى مكانٍ فقال له الحرس على تلك المنطقة: لا يُسمح لك أن تدخل هذه المنطقة، إلا إذا كانت عندك وديعة و أمانة هنا!! وكان المكان لـ«أطفال المسلمين»، فقال الأب: نعم، عندي ابنة ماتت عندما كانت طفلة. وبينما هو واقف وإذا يرى ابنته الحبيبة قد أقبلت إليه فقام يضمّها إليه. ثم التفتت الطفلة إلى الثعبان وأشارت إليه: إرحل، ولا تلاحق والدي. ثم التفتت إلى أبيها وقالت: ابتي لِمَ رجعت إلى شرب الخمر، فهذا الثعبان هو تجسّم لهذا «العمل»، فاترك الخمر ولا تعد لشربه مرّة ثانية.

شهادة الأعضاء

إن أعضاء الإنسان ستشهد عليه يوم القيامة، ولن يتمكّن أن يُنكِر معصيةً ارتكبها أو فريضةً تركها ..

فـ«العين» ستشهد على كلّ ما شاهدت من مناظر محرّمة ومشاهد سافرة ..

و «الأذن» ستشهد على كلّ ما سمعته من غناءٍ أو غيبةٍ أو موسيقى محرّمة ..

و «اليد» ستتكلم بكلّ ما عملته من سرقةٍ أو اعتداءٍ على الآخرين ..

و «القدم» ستشهد على كل خطوةٍ خطتها إلى معصيةٍ وترك طاعة ..

<يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ>[5]

شهادة المكان والملائكة و …

إن «يوم القيامة» هو يوم العدل الذي لا ظلم ولا جور فيه، حيث تُقام محكمة العدل الإلهي، ويبرز في ذلك اليوم الشهود على اختلافهم، فـ«المكان» الذي وقعت فيه المعصية سيكون حاضراً للشهود على العاصي، و«المسجد ومكان العبادة» سيأتي يوم القيامة ليشهد لك أنك مطيع لله، و«الملَكَان» يشهدان على الإنسان وقد سجلا كلَّ شيء صدر عنك ..

والله يكون شاهداً فوق كل الشاهدين والمطّلع على ما خَفِي عليهم .. فاتقوا الله سبحانه في الخلوات: فإن الشاهد هو الحاكم يوم القيامة وخلواته عيونه؛ فإذا كنت لوحدك لا يراك أحد، فلا تعصي الله لأن الله ينظر إليك ويراقبك ..

فإذا كان الله يعلم الظاهر والباطن، ويرانا في السّرِ والعلن، ويعلم ما يخطر في العقول والقلوب .. فهو الحاضر في كل زمان و مكان .. فكيف نعصي الله!!

الصراط

إنّ الصراط عبارة عن جسرٍ يوضع فوق جهنم، ويؤمر الناس أن يعبروه ليصلوا إلى الضفّة الثانية، فمن يقدر على عبوره يصل إلى الجنة، أما الذي يسقط منه ولا يقدر على اجتيازه فإنه يقع في نار جهنم.

والصراط: أدق من الشعرة وأحد من السيف، فالحساب فيه دقيقٌ دقيق، كدقّة الشعرة، وحادٌّ كحِدّة السيف!

والناس على الصراط طوائف: فمنهم من يجتازه كالبرق الخاطف، ومنهم من يسير عليه بسرعة الفرس، ومنهم من يمشي عليه، ومنهم من يحبو، ومنهم من يتقلقل ويكاد أن يقع منه .. ومنهم من يقع منه ويسقط في نار جهنم!

وعلى الصراط تُنصب المحطات والمواقف التي لابد من الوقوف عندها والمرور عليها: فهناك «محطة الصلاة» وهناك «محطة الأمانة» وهناك «محطة الرحم»، وهناك «محطة المظالم» و ….

فهناك 50 موقفاً ومحطة، وقد يقف الإنسان عند المحطة الواحدة 1000 عام <فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ>[6]

أحبتي ..

يُروى أنّه يُجمع كلُّ الخلائق في صحراء المحشر، وبينما الناس وقوف وإذا يؤتى بـ«جهنم» تُقاد من قبل الملائكة الشّداد، فتُجعل أمام الناس، فتخرج ألسنة نيرانها لتحيط بكلّ الخلق، فيعيش الجميع الخوف والذهول فيُنصب حينئذٍ على نار جهنّم جسر «الصراط» ويؤمر الناس بالعبور عليه واجتيازه من أجل الوصول إلى الجنة، ومن لم يقدر على عبوره سقط في نار جهنّم.

أحبتي ..

وفي مشهدٍ من مشاهد يوم القيامة، يُنصب ويوضع الميزان حيث توزن أعمال الناس .. <فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ 6 فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ 7 وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ 8 فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ>[7] .. فمن كان يعمل الأعمال الصالحة ثُقلت موازينه وكان من أهل الجنة، وأمّا من كان يعمل المعاصي والسيئات، فإنه سيكون خفيف الميزان ولا يُقام له وزن ويُلقى في نارجهنم وعذاب الحريق.

إن الذي يكون مراقباً لنفسه مراقبةً دقيقة، ويحاسبها على كل صغيرةٍ وكبيرة، ولا يتهاون في فروض ربّه وشريعة أنبيائه .. فإنه سوف يقدر على عبور الصراط واجتيازه بسرعة والوصول إلى الجنة بسلام، أمّا الذي يعيش التهاون واللامبالاة في الدنيا، ويضيّع كلّ وقته في اللعب واللهو، بل وفي اقتحام الذنوب والمعاصي .. فإنه سوف يتعثّر على الصراط ويقع في وسط النيران ..

فعفوك عفوك يا مولاي قبل سرابيل القطران ..

عفوك عفوك يا مولاي قبل جهنم والنيران ..

عفوك عفوك يا مولاي قبل أن تُغلّ الأيدي إلى الأعناق ..

الميزان

وفي الأحاديث الشريفة: «أن الصلاة على محمد وآل محمد تُثقل الميزان .. فأكثروا من الصلاة على محمدٍ وآل محمد»

اللهم صل على محمدٍ وآل محمد ..

الجنّة

إن الذي يصبر على هذه الأيام القليلة التي يعيشها في الدنيا؛ فلا يُعطي النفس كلّ ما تهوى وتشتهي من اللذائذ والرغبات، ويلزمها بأن تأتي بالواجبات والطاعات، هؤلاء المتّقون صبروا أياماً قصيرة أعقبتهم راحة طويلة، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وأسرتهم ففدوا أنفسهم منها، تجارةٌ مربحة يسّرها لهم ربهم .. فكانت لهم الجنة.

وانظر إلى المتقين في ليلهم تراهم: صافّين أقدامهم، تالين لأجزاء القرآن يرتّلونه ترتيلاً، يُحزّنون به أنفسهم ..

فلا يتركون «صلاة الليل» .. فهم في حزنٍ دائم وبكاءٍ لا ينقطع، يطلبون من الله فكاك رقابهم من النار والفوز بالجنة والرضوان.

وأمّا النهار: فهم علماء حلماء أبرار أتقياء، قد براهم الخوف بَرْيَ القِداح إذا نظرهم الناظر حسبهم مرضى، وما بالقوم من مرض، لا يكتفون من أعمالهم بالقليل، ولا يستكثرون الكثير .. ولا يحسنون الظن بأنفسهم، فهم لأنفسهم مُتّهمون ومن أعمالهم مشفقون ..

عن الإمام علي (علیه السلام): «ألا وأنّي لم أرَ كالجنة نام طالبها، ولا كالنار نام هاربها»[8].

أيضاً يقول (علیه السلام): «إنه ليس لأنفسكم ثمنٌ إلا الجنة، فلا تبيعوها بغيرها»[9].

فالمتقون هم أهل الفضائل: منطقهم الصواب وملبسهم الاقتصاد وعيشهم التواضع، غضَّوا أبصارهم عمّا حرّم الله عليهم، وأوقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم ..

أحبتي ..

إنّ الوصول إلى الجنة والفوز بها، يحتاج إلى عملٍ دائم وطاعة مستمرة ونهيٍ للنفس عن الهوى و«الجنّة حُفّت بالمكاره» لا يمكن الدخول إليها بسهولة، بل لابد من تجّرع الصبر على الطاعات، والصبر عند المصائب، والصبر عن المعاصي، ولا بد من جهاد النفس ليلاً ونهاراً والسعي للتكامل وتطهير النفس بالتوبة والإنابة ..

فالجنّة .. فيها من النعم واللذائذ، ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خَطَرَ على قلب بشر! فهي دار كرامة الله لعباده المتقين وهي مكان وعدِ الله لثواب الصابرين .. والذي يدخل الجنة لا يخرج منها أبداً ونِعَمُ الجنّة ولذائذها لا يشوبها ألم ولا يُكدّرها وجع، فهي نِعمٌ خالصة!

والجنة .. تستلزم الصبر عندما تنزل المصائب علينا، من مرضٍ أو فقرٍ أو سجن .. فالدنيا مهما طالت أيامها فهي زائلة، ومهما أشتدّ بلاؤها فلا دوام لها، فضع الجنة نصب عينيك واصبر في سبيل الله على البلايا لتنال الجنة.

والجنة .. تدعو للعمل الصالح والصبر على الإتيان بالواجبات، كالصلاة والصيام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد و….، فالنفس قد تتسافل وتكسل عن القيام بالفروض الإلهية، فتذكّر أن الجنّة هي محل ثواب المطيعين.

والجنة .. هي مكان الطهر والنقاء، فلا يدخلها إلا الطاهرون، فلا مجال لدخول الذين تلوّثوا بالمعاصي والذنوب، فلا تغّتر بالمعصية واللذائذ المحرمة بل اصبر و قاوم النفس الأمارة بالسوء وقارع الشيطان، وأصر على الحرمان وعدم إعطاء النفس ما ترغب وتشتهي؛ لأن المصير لكل ذلك هو الجنة.

إلهي .. إن أدخلتني النار ففي ذلك سرور عدوك، وإن أدخلتني الجنة ففي ذلك سرور نبيك، وأنا والله اعلم أن سرور نبيك أحب إليك من سرور عدوك.[10]

النار .. إنّ الذي يُطلق عنان النفس ويتركها تفعل كل ما تشتهي وترغب، فلا ينهى نفسه عن هواها، ويُطيع الشيطان في كلّ ما يأمر و ينهى، ولا ينصاع لعبادة الله تعالى ولا يُطيع شريعة السماء، فتوغّل في الذنوب و المعاصي، و تجاوز حدود الله و ما رعى حقوقه، فإنّ خاتمته النار.

أخي ..

إنّ النار حُفّت بالشهوات، فالذي يحوم حول الشهوات المحرّمة ويباشرها ويغرق في آثامها، ويَسْكر في لذائذها الآثمة النَّتِنَة، فإن «نار جهنم» هي المصير وهي المستقر الأبدي لأمثال هؤلاء العصاة!

فلا تنخدع بالذين خدعتهم الدنيا وتزيّنت لهم حتى أوقعتهم في شِراكها!

ولا تفكّر في «الحرام» ولا تسعَ له؛ لأنك لا تقدر على تحمّل عذاب النار!

ولا تترك أيّ «واجب» بل عليك أن تأتي به؛ لأنّ تركه يأخذك إلى النار!

ولا تُصاحب «رفاق السوء»؛ لأنهم سيعملون على أخذك إلى جهنم والنار!

احذر أن تستخفّ بعذاب جهنم والنيران؛ فنحن لا نتحمل حرارة الرمضاء فكيف نصبر على نارٍ نورها ظُلمة، وهيّنها أليم، نار يأكُلُ بعضها بعض، ويصول بعضها على بعض، نار تذُر العظام رميماً، وتسقي أهلها حميماً .. نار لا ترحمُ من استعطفها، تلقى سكّانها بأحرّ ما لديها من أليم النكال، وشديد الوبال!

نحن نظلم أنفسنا عندما نقترف الحرام؛ لأنه بعد انقضاء هذه اللذائذ المعدودة إذا لم نتب توبةً نصوحة، فإننا سوف نُلحق الضرر والعذاب والشقاء بأنفسنا، ونجعل أرواحنا أسيرة في جهنم مع العقارب والحيّات وشدّة الابتلاء .. ظلمت نفسي ظلمت نفسي ظلمت نفسي ..

قصة وضع منافخ نار جهنم

يروى أن جبرائيل نزل على النبي (ص) ولكن هذه المرة على غير عادته، حيث كان حزيناً كئيباً! فسأله النبي (ص): يا أخي جبرائيل مالي أراك على غير عادتك حيث يبدو الحزن والاكتئاب عليك؟!

فقال جبرائيل (علیه السلام): يا رسول الله، إنه قد تمّ وضع منافخ نار جهنّم!

فسأله رسول الله (ص): وما منافخ جهنم؟!

فقال جبرائيل (علیه السلام): أمر الله أن يُنفخ في النار 1000 عام حتى احمرّت، ثم أمر أن ينفخ فيها 1000 عام حتى ابيضّت، ثم أمر أن ينفخ فيها 1000 عام حتى اسودت!! فهي الآن سوداء مظلمة!!

أحبتي ..

إن النار حارة مظلمة حرارتها لا يمكن تحمّلها، وظلمتها تُخيف ساكنيها! وكلّ ما في جهنم عذاب، فشراب أهل النار الصديد وماء الحميم الساخن، وطعام جهنّم الزقوم، والهواء السموم، مع العقارب والحيّات والملائكة القُساة .. فجهنم دارٌ لا رحمة فيها بل عذابٌ شديدٌ ودائم، إنها دار غضب الله تعالى!

فهل عندنا صبرٌ على جهنم والنيران حتى نُقدم على ارتكاب المحرمات؟!

وهل نُهين أنفسنا بالعذاب من أجل لذائذ زائلة وشهوات غير دائمة؟!

إلهي .. لَوْ قَرَنْتَني بِالاْصْفادِ، وَمَنَعْتَني سَيْبَكَ مِنْ بَيْنِ الاْشْهادِ، وَدَلَلْتَ عَلى فَضائحي عُيُونَ الْعِبادِ، وَ أمَرْتَ بي اِلى النّارِ، وَحُلْتَ بَيْني وَبَيْنَ الاْبْرارِ، ما قَطَعْتُ رَجائي مِنْكَ وَما صَرَفْتُ تَأميلي لِلْعَفْوِ عَنْكَ، وَلا خَرَجَ حُبُّكَ مِنْ قَلْبي.[11]


[1]- الواقعة: 1-3

[2]- الحج: 1-2

[3]- الطارق: 9

[4]- ق: 22

[5]- النور: 24

[6]- المعارج: 4

[7]- القارعة: 6-9

[8]- نهج البلاغة، خطبة 28

[9]- تحف العقول، صفحة 292

[10]- دعاء أبي حمزة الثمالي

[11]- دعاء أبي حمزة الثمالي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى