الدعاء

أحبتي .. إن الدعاء سلاح المؤمن فهو يُنجي من الأعداء، ويُدرّ الأرزاق، وإنّ الدعاء باب الإجابة بالرحمة، وأفضل عبادة بعد قراءة القرآن، وإن الدعاء أنسٌ مع الله وسفرٌ إلى ملكوته وعروجٌ في حضرته حيث تسمو الروح بالدعاء فلا تلتفت إلى سفاسف الحياة ومختلف البلاء ومتع هذه الدنيا، بل ترى العشق والحب الإلهي بالطلب من الله، و بالعون على كشف البلاء، والابتهال إليه بطلب الخير والبركات .. وما أحلى الحديث مع الله ..

آداب الدعاء

أولاً: لا بد أن نلح في الدعاء ونبالغ في طرق باب الله تعالى ولنكثر من الطلب ولا نملّ حتى لو تأخرت الإجابة؛ فنحن على باب الكريم الذي لا يرد داعيه، والجواد الذي لا يبخل على من سأله.

ثانياً: لا بد أن نعيش حالة التضرع والانكسار والبكاء، فإذا رقّ القلب وانكسر، كانت الإجابة أقرب والعطاء أجزل.

وعليه فلا ينبغي أن نعيش «ألفاظ الدعاء» فقط، بل لا بد أن نعيش «معنى الدعاء» ونستحضر معانيه بقلوبٍ خاشعة ودموعٍ ساكبة ورجاءٍ صادق ..

ثالثاً: الأفضل أن نبدأ بتمجيد الله ومدحه بالعظمة والجود والكرم و…، قبل أن نسأله حاجاتنا، فهو أقرب للإجابة.

أوقات الاستجابة

باب الله مفتوحٌ للسائلين، وعطاؤه دائمٌ للراجين .. ولكن هناك أوقات يكون الدعاء فيها أقرب للإجابة، منها:

  1. آخر الليل حيث يأتي النداء من الله تعالى: هل من سائلٍ فأعطيه سؤله؟ هل من مستغفرٍ فأغفر له؟ هل من تائبٍ فأتوب عليه؟
  2. بعد قراءة القرآن.
  3. بين الأذان والإقامة.
  4. عند رقة القلب، وجريان الدمعة.

أسباب تأخير الاستجابة

إن الله تعالى عالم بحاجاتنا وطلباتنا، وهو قادرٌ على أن يستجيب لنا، وهو كريم لا يبخل علينا، وهو حكيم لا يفعل إلا ما فيه المصلحة والخير لنا، وإن عدم الاستجابة في بعض الموارد يرجع إلى عدم وجود المصلحة، فلو استجاب الله لنا لوقعنا في الضرر «وَلَعَلَّ الَّذي اَبْطأَ عَنّي هُوَ خَيْرٌ لي لِعِلْمِكَ بِعاقِبَةِ الاْمُورِ»[1]

وقد تُجاب دعوة المؤمن في الحال، إلا أنه قد يؤخر إعطاءه ليدعو المؤمن ربه، فيسمع الله صوت عبده؛ لأن الله يحب هذا الصوت الصادر من هذا المؤمن.

وفي بعض الموارد لا تتحقق الإجابة في الدنيا، وإنما يعوّض عنها في الآخرة فهناك الثواب العظيم والأجر الذي لا يُقاس بعطايا الدنيا ..

قصة هو أحكم الحاكمين

يروى أن رجلاً كان له بنتان متزوجتان، فقرر ذات يوم أن يزورهما، وعندما كان في زيارة البنت الأولى قالت له: أبتي، إن زوجي يعمل في الزراعة، فادع الله لنا أن يُنزل علينا المطر هذا العام حتى نحصل على الثمار من المزرعة.

فقال لها: إن شاء الله أدعو لكما.

ثم توجه إلى زيارة البنت الثانية، وبعد الضيافة قالت له: أبتي، إن زوجي يعمي في الخزف والفخار، فادع الله أن لا ينزل علينا المطر هذا العام، بل تُشرق الشمس على الدوام حتى تجفّ أعمال زوجي ونقدر على بيعها وجني الأموال منها.

فقال الأب لها: إن شاء الله أدعو لكما.

وهنا وقع الأب في الحيرة: فلمن يدعو؟ لبنته الأولى أم للبنت الثانية؟ وهل يدعو بنزول المطر أو يدعو بعدم نزوله؟

هنا توجه الأب إلى الله تعالى وقال: أنت أحكم الحاكمين، والكريم والعالم بما فيه الصلاح، فافعل ما ترى فيه الخير.

أحبتي .. لا تتركوا الدعاء ولا تملّوا منه، واطلبوا من الله على الدوام أن يكشف همّكم، وغمّكم، ويهلك عدوكم، وينصركم على من ظلمكم؛ فأنتم مظلومون، ودعوة المظلوم مستجابة، ودمعته مرحومة ..

أحبتي .. الدعاء قرآنٌ صاعدٌ؛ فالداعي يتحدث مع الله ويسأله ويشكو له الحال فليكن أغلى طلب وأهم حاجة أن يرضى عنا الله، ويحبّنا، ويدخلنا جنته ورضوانه، ويصيّرنا من عباده الصالحين المخلصين ..

ومن أعظم النعم علينا جريان ذكرك على ألسنتنا، وإذنك لنا بدعائك ..

إِلَهِي فَأَلْهِمْنَا ذِكْرَكَ فِي الْخَلَإِ وَ الْمَلَإِ، وَ اللَّيْلِ وَ النَّهَارِ، وَ الْإِعْلَانِ وَ الْإِسْرَارِ، وَ فِي السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ، وَ آنِسْنَا بِالذِّكْرِ الْخَفِيِّ، وَاسْتَعْمِلْنَا بِالْعَمَلِ الزَّكِيِّ، وَ السَّعْيِ الْمَرْضِيِّ، وَ جَازِنَا بِالْمِيزَانِ الْوَفِيِّ.[2]


[1]- دعاء الافتتاح

[2]- مناجاة الذاكرين

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى