حزب النفاق و إقصاء الإمام علي (عليه السلام)
جدول المحتويات
يقول أمير المؤمنين (ع) : ((حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلَانٍ [ابْنِ الْخَطَّابِ] بَعْدَهُ ثُمَّ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الْأَعْشَى: شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا ** وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ
فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا))[1]
حركة النفاق و منهج عملها !
إنّ العدو الداخلي لا يُعلن عن كيده جهاراً، و لا يرمي بأوراقه نهاراً، و لا يكشف عن أهدافه صراحاً، بل هو يعمل في الخفاء، و يكيد من غير ضوضاء، و يسعى للوصول إلى أهدافه: بتؤدة المكر و أناة الخديعة !
و هو يعمل ليلاً و نهاراً، لا يكلّ و لا يملّ، و لا يصيبه ضجرٌ و لا سأم ! و هو يبرز للناس بوجهٍ مشرق و بمظهرٍ تقبله عامة البشر، في الوقت الذي يخفي وجهه الحقيقي كما أخفى أنيابه القاتلة السامة !
يقول أمير المؤمنين (ع) و هو يصف عمل المنافقين: ((يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً وَ يَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً … قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ وَصِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ يَمْشُونَ الْخَفَاءَ وَ يَدِبُّونَ …قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلًا وَ لِكُلِّ قَائِمٍ مَائِلًا وَ لِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلًا وَ لِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً وَ لِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً … يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ وَ يَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ ))[2]
المنافق … العدو الداخلي !
إنّه المنافق العدو الداخلي ، و إنّها حركة النفاق التي لا يبصرها عامة الناس حيث تنخر في المجتمع رويداً رويداً، و تقوّض بنيانه يوماً فيوماً، بهدوءٍ و من غير حلبة و لا ضوضاء و لا صُراخ … ، حتى ينهار المحتوى الداخلي للبنيان، و يفرغ من أي باطن و معنويات!
و عندها يبقى الدين : صورة بلا معنى ! و قشراً بلا لب ، و ظاهراً بلا باطن ! و يتشوه وجه الدين الحسن، و تتبدل أحكامه الإلهية بأحكام جاهلية ! و يبعد أهل الدين و حماته الحقيقيين، و يأتى بالأشرار و من عاداه و حاربه حتى يتحكموا على رقاب الناس بالمكر و الخديعة !
يقول أمير المؤمنين (ع) و هو يصف المنافقين : ((وَ أُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ وَ الزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً وَ يَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً وَ يَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَادٍ وَ يَرْصُدُونَكُمْ بِكُلِّ مِرْصَادٍ قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ وَ صِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ يَمْشُونَ الْخَفَاءَ وَ يَدِبُّونَ الضَّرَاءَ وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ وَ قَوْلُهُمْ شِفَاءٌ وَ فِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ))[3]
هم العدو … فاحذرهم !
و حركة النفاق في أعظم م يهدم البناء و يصرع الأديان و يسبب الدمار لأهل الإسلام ! حتى إنّ الإسلام قد حصر العداوة فيهم : و كأنّه لا عدو إلا هم، و لا عداوة إلا التي تصدر منهم { هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُون}[4] و كما يقول أمير المؤمنين (ع) و هو يبين عظم خطرهم : ((حَسَدَةُ الرَّخَاءِ وَ مُؤَكِّدُو الْبَلَاءِ وَ مُقْنِطُو الرَّجَاءِ لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ صَرِيعٌ وَ إِلَى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ وَ لِكُلِّ شَجْوٍ دُمُوعٌ ))[5]
استمرار حركة النفاق إلى يومنا هذا !
و الإسلام كان و ما زال فريسة لهذه الحركة المنافقة التي تنخر في الدين و تزلزل نفوس المتدينين و تسبب التأخر للمسلمين !
و المنافق يتعاضد مع الكافر و يتحالف مع اليهودي و النصراني، إلا أنّه لا يمكنه أن يتعايش مع المسلم الحقيقي و المؤمن الواقعي !
بل لا يوجد عدو للمنافق إلا المُؤمن الحقّ، و لا توجد حرب تشغل المنافقين إلا الحرب ضد أهل الإسلام المحمدي الأصيل! كما تكالب العالم بأجمعه بعد رحيل رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم – من منافق و كافر و يهودي و نصراني – على أمير المؤمنين (ع) ، فإنّنا نجد اليوم كيف قد اجتمع أهل الكفر و اليهود و النصارى واضعين أيديهم مع رأس النفاق اليوم – مدّعي خدمة الحرمين – ضد راية الحقّ الخفاقة و الدولة الإيمانية التي ترفرف باسم الإسلام المحمدي الأصيل !
و كما يقول أمير المؤمنين عليه السلام : ((فَهُمْ لُمَةُ الشَّيْطَانِ وَ حُمَةُ النِّيرَانِ- أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُون))[6]
لشدّ ما تشطرا ضرعيها !
عجباً للأول الذي كان يتظاهر بالقدسية و الزهد في الخلافة صبحاً و عشياً، و إبداء عدم الرغبة فيها و استعداده أمام الناس للتخلي عنها، و إكثاره من طلب الإقالة منها … اقيلوني فلست بخيركم !
نعم ، بمثل هذه التصرفات الخاصة و الأقوال المنافقة : ينخدع الكثير من بسطاء العقول و أصحاب الألباب الساذجة ! فيكبر أمثال هؤلاء – حذّاق الخداع و متمرسي الكذب و النفاق – في نفوسهم ، و يأخذ قولهم بمجامع قلوبهم ، و الحال كما يقول أمير المؤمنين (ع): ((وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ وَ قَوْلُهُمْ شِفَاءٌ وَ فِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ))[7]
ما كان صادقاً في دعواه !
و لو كان الأول صادقاً فيما يقول، و محقاً فيما يدعي، لما عقدها للثاني بعد وفاته، لأنّه لو كان طالباً بحق للإقالة بسبب ثقل الخلافة و عظم مسؤوليتها، و خوفه من التعثر فيها و التردي في مهالكها بسبب عدم القيام باللازم من واجباتها، لكان من المنطقي أن يسعى للتخلص منها بسرعة؛ حتى لا يتكلف مسؤوليتها و لا تلحقه بعد ذلك تباعتها، و إذا لم يكن بمقدوره أن يتخلى منها حال حياته، فمن الحجى أن لا يكلف نفسه تبعاتها بعد مماته، فلا يعقدها لغيره بعد وفاته !
أمّا و قد عقدها للثاني بعد وفاته ، فهو متحمل لمضار الخلافة و تبعاتها في حال حياته و بعد مماته! و هذا يكشف حقيقة دعاواه الزائفة، من طلب للإقالة و دعواه الزهد في الخلافة، حيث لم يكن قوله إلا كذباً و نفاقاً و خداعاً !!
يقول أمير المؤمنين (ع) و هو يشكو الظلم الذي حلّ به و بأهل بيته : (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَعْدِيكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَ مَنْ أَعَانَهُمْ فَإِنَّهُمْ قَطَعُوا رَحِمِي وَ صَغَّرُوا عَظِيمَ مَنْزِلَتِيَ وَ أَجْمَعُوا عَلَى مُنَازَعَتِي أَمْراً هُوَ لِي ثُمَّ قَالُوا أَلَا إِنَّ فِي الْحَقِّ أَنْ تَأْخُذَهُ وَ فِي الْحَقِّ أَنْ تَتْرُكَه))[8]
الدنيا … تفضح أبنائها !
نعم ، إنّها الدنيا التي غرتهم و خدعتهم بعد أن تزينت لهم بلباس الخلافة و دعتهم إلى نفسها، فانخدعوا لها و اغتروا بحطامها: حيث أعمتهم و أصمتهم و سلبت عقولهم و رشدهم !
و لكن ، ما أسرع انفضاح خططهم و انكشاف ألاعيبهم و اتضاح زيف خداعهم : فـ (الثاني) يبايع (الأول) في السقيفة و يكون السبّاق في ذلك، و متحدياً كل من يعارض ذلك، حتى يرد (الأول) الخلافة لـ(الثاني) بعد وفاته !
هكذا تقاسموا الأدوار ، و تشاطروا الضرع ، و أبعدوا أهل الحق ، و كما يقول أمير المؤمنين (ع) : ((يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ وَ يَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ))[9]
[1] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص: 48
الخطبة (3) و من خطبة له ع و هي المعروفة بالشقشقية و تشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له!
[2] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص: 307الخطة (194) و من خطبة له ع يصف فيها المنافقين
[3] المصدر نفسه. [4] المنافقون: 4 [5] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص: 307الخطة (194) و من خطبة له ع يصف فيها المنافقين
[6] المصدر نفسه. [7] المصدر نفسه. [8] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص: 246 ، الخطبة (172) [9] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص: 307الخطة (194) و من خطبة له ع يصف فيها المنافقين