فيالله وللشورى !!

يقول أمير المؤمنين عليه السلام : ((حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي [سِتَّةٍ] جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ‏ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ‏ وَ مَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَن‏))[1]

حزب النّفاق و إقصاء الإمام علي عليه السلام !

إنه حزبٌ واحد ، حزب الشيطان و النفاق، قد بيّتوا النيات و تقاسموا الأدوار، و هم ينفّذون كل ما خططوا له ؛ فالأول يعيّن الثاني بشكلٍ واضح و من غير أي ترديد، و الثاني يعين الثالث و لكن هذه المرة بأسلوب جديد فيه ما فيه من الخداع و التمويه الذي يحيّر عامة الناس و يجعلهم لا يهتدون الطريق!

 و قد سمّاها شورى، و ما هي بشورى، فأيّ معنى للشورى و الحال أنّ النتائج قد حُسمت  قبل أن يكون هناك اجتماع أو يحصل تشاور ؟!

نعم ، هكذا السياسة و ألاعيبها و من يحب أن يتلوث بأرجاسها !!

ما جعلوه في الشورى حقيقة !

و الثاني يزعم بأنّ علياً (ع)  هو أحد رجال الشورى، و هو زعمٌ فارغٌ وكذبٌ واضحٌ وفاضحٌ !

 و متى تنازل الثاني عن مخططه حتى يقدم علياً (ع)، و متى آب لرشده حتى يأمل في رجوع الحق لأهله، و أنّي له أن يكون سبباً في ذلك و قد كان هو السبب في إزواء الحق عن علي (ع) و غصب الخلافة منه!

 إنها نفسٌ حسدت علياً (ع)، كادت له و خططت ضدّه و تآمرت عليه؛ لأنه الإسلام الحقّ و الإيمان الكامل، و قد حاربوه لأنه عليٌ (ع)، فهل يقدمونه الآن ؟ هيهات !

جعل الإمام في الشورى لخداع الناس !

إنّ جعل الإمام علي(ع) في الشورى كان من أجل خداع الناس، و تمرير مشروعهم الإفسادي بخبث و دهاء !

و هكذا يفعل دماة السياسة: يدخلونك شكلاً و يخرجونك واقعاً ! يقيمون الحجة عليك، إن لم تشارك فهم دعوك ! و إن دخلت كما شاؤوا: أقاموا عليك الحجة بأنّك لست أهلا للخلافة، و إلا لبايعك الناس !!

 و يريد الثاني أيضاً : أن يصوّر للمسلمين في كل الأزمان بأنه لم يُعادِ علياً، و لو عاداه لما جعله من رجال الشورى!

و يريد الثاني أيضاً أن يقنع المسلمين بأن علياً ليس أهلاً للخلافة و إلا لبايعوه! هذا مع قصده بيان الفضل و المرتبة : فهو الثاني و عثمان الثالث و عليّ الرابع !!

بالبصيرة ينفضح مخطط الشورى !

و على الناس أن يكونوا من أصحاب البصائر: فلا يتوقفوا عند القشور، و لا يكتفوا بظواهر الأمور، بل لابُدّ لهم أن يسبروا الأعماق و يخترقوا اللباب؛ فأنّ الرجال الذين اختارهم (الثاني) وهم: طلحة و الزبير و عثمان و عبدالرحمن بن عوف و سعد بن أبي وقاص و الإمام علي (ع)، و طبيعة المداولات و الصيغة التي لا بُدّ أن يحسم فيها النتائج عند الاختلاف، و التي آخرها: أنّه إن اختلفوا و صارت الكفة بالتساوي، فإنّ الترجيح يكون لمن يكون معهم عبدالرحمن بن عوف ! كل ذلك يرشدك و يدلّك على أنّ الإمام علي (ع)  لن يكون هو الخليفة : فسعد بن أبي وقاص منحرفٌ عن الإمام علي (ع)، فإنّه حتى لو بايعه طلحة و الزبير، فإن الكلمة سوف تكون مع من يكون معهم عبدالرحمن بن عوف !!

و لم المحور ابن عوف ؟!

و لا أدري ما الذي جعل (الثاني)  يجعل ابن عوف محوراً و قطب رحى الشورى: فهل نسي أو أراد أن يتناسى فضل الإمام علي (ع) على ابن عوف ، بل على كل الصحابة ؟ أم أنّه المخطط القرشي الذي أملى عليه، و ما عليه إلا أن ينفذه لا غير ؟!

و متى اعترض الريب في علي عليه السلام ؟!

و أمير المؤمنين (ع) يتأوه، وحق له أن يترجع و يإن ؛ فمتى اعترض الريب  و الشك في علي (ع) ؟

 و هل يوجد في هذه الأمة بعد رسول الله ’ من يرقى إلى فضله أو يُقاس به، و متى سُوِّي بأحدٍ من الصحابة حتى صار يُقرن إلى مثل هذه النظائر ؟!

نعم ، إنّه الزّمن العنود، و هؤلاء هم أهله الجفاة الجهلة فاقدوا العقول: حيث انزلوا علياً (ع) من سماء العظمة و أردوه في مستنقعاتهم العفنة و أوحالهم المظلمة ! ماعرفوه حق معرفته !

 بلى عرفوه ، و لكن أراد أن ينزلوا من قدره و يحطّوا من مكانته … ، و إلا فـ ((مَتَى اعْتَرَضَ الرَّيْبُ فِيَّ مَعَ الْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أُقْرَنُ إِلَى هَذِهِ النَّظَائِرِ))[2]

ادخلوه الشورى مكرها !

و ما عسى الأمير (ع) أن يفعل: فدخوله في الشورى بلاء و عدم دخوله فيها بلاء!

أدخل فيها مجبراً و أخرج منها مقهوراً؛ فما كان في دخوله مختاراً ، و ما كان في خروجه مريداً ! و هكذا قُهر بطل الإسلام الأول .. ((لَكِنِّي أَسْفَفْتُ‏ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا))[3]

بمكيدة الشورى أبعدوه مرةً أخرى !

فيالله و للشورى ! و من أعضاؤها ؟ سعد بن ابي وقاص و هو منحرف عن الإمام علي (ع) حتى أنه تخلّف عن بيعته – بعد قتل عثمان – مع أن الأمّة قد اجتمعت على بيعته !

فـ(سعد) كان حاقداً على علي (ع) و كان معادياً له ! و الثاني كان على علمٍ بأنّ سعداً لن يبايع علياً (ع) فلذلك رشحه للشورى … ((فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ‏ ))[4].

 و أمّا (عبدالرحمن بن عوف) : فبينه وبين عثمان مصاهرة؛ حيث أن عبدالرحمن كان زوجاً لأم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، و هي أخت عثمان لأمّه أروى بنت كريز ! فهذه المصاهرة تملي على أمثال عبدالرحمن أن يقدم عثماناً على علي (ع) !  مضافاً إلى انحراف عبدالرحمن عن علي (ع) من الأساس! و الثاني يعلم بكل ذلك ، فلذلك رشّحه للشورى … ((وَ مَالَ الْآخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَن ))[5].

و أما (عثمان) فهو المرشح الحقيقي للثاني ، و هو المجعول نداً للإمام علي (ع) ! و المخطط القرشي و الأموي لابُدّ أن يسير بهذا الاتجاه !!

 و هكذا يُقصى علي (ع) اليوم ، و يُقصى ولده غداً !! يقول الإمام علي (ع) : ((لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي أَحَقُّ النَّاسِ بِهَا مِنْ غَيْرِي وَ وَ اللَّهِ لَأُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِينَ وَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا جَوْرٌ إِلَّا عَلَيَّ خَاصَّةً الْتِمَاساً لِأَجْرِ ذَلِكَ وَ فَضْلِهِ وَ زُهْداً فِيمَا تَنَافَسْتُمُوهُ مِنْ زُخْرُفِهِ وَ زِبْرِجِه‏))[6]

هناك يستولي الشيطان !

إنّ منهج الشيطان الرجيم و هؤلاء هم تلامذته في مدرسة النفاق و الرياء: هو إيجاد الإنحرافات الفكرية و الروحية على المرتادين ،(( وَ لَوْ أَنَّ الْحَقَّ خَلَصَ مِنْ لَبْسِ الْبَاطِلِ انْقَطَعَتْ عَنْهُ أَلْسُنُ الْمُعَانِدِينَ وَ لَكِنْ يُؤْخَذُ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ وَ مِنْ هَذَا ضِغْثٌ فَيُمْزَجَانِ فَهُنَالِكَ يَسْتَوْلِي الشَّيْطَانُ عَلَى أَوْلِيَائِهِ وَ يَنْجُو الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ الْحُسْنى‏))[7].

 و الشورى كانت تسير في ظلال هذا المنهج الشيطاني من مزج الحق بالباطل ، فكان ما كان !


[1]  نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص: 49

الخطبة (3) و من خطبة له ع و هي المعروفة بالشقشقية و تشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ثم ترجيح صبره عنها ثم مبايعة الناس له!

[2] المصدر نفسه.

[3] المصدر نفسه.

[4] المصدر نفسه.

[5] المصدر نفسه.

[6] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص: 102

الخطبة (74) و من خطبة له ع لما عزموا على بيعة عثمان‏

[7] نهج البلاغة (للصبحي صالح)، ص: 88

الخطبة (50) و من كلام له ع و فيه بيان لما يخرب العالم به من الفتن و بيان هذه الفتن‏

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى