الحياة والموت

الإمام الحسين: «ألا وأن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وطهرت، ونفوس أبية، وأنوف حمية من أن نؤثر طاعة اللثام على مصارع الكرام».

تمهید

إن مدرسة أهل البيت عليهم السلام تعطي دروسا لكل البشرية، في كل مجالات الحياة الظاهرية والباطنية، ومن هذه الدروس: ما يرجع إلى الموت والحياة، فهناك حياة للروح وحياة للجسد، وحياة الروح مقدمة على حياة الجسد! وهناك حياة وموت للفرد، وهناك حياة وموت للأمة. وفي كربلاء كان الدرس العملي لإحياء الأمة بعد أن ماتت سنيئا، فكان المنهج الحسيني بحياة من اقتحم الموت، والموت لمن لهث وراء الحياة!

الحياة والموت

هناك حياة وموت للجسد، وهناك حياة وموت للروح:

فإما حياة الجسد وموته فهو الذي يعرفه عامة الناس، فحياة الجسد أن يأكل ويشرب وينام ويتحرك، وموت الجسد هو الذي نراه على المغتسل جسدا لا حراك فيه.

وأما حياة الروح وموتها فهو الذي تطرحه تعاليم الدين، في حياة الروح بأن تعيش الروح أمور العقائد الحقة، وإشعاعات الأخلاق الفاضلة، وبرکات الأعمال الصالحة. وموت الروح بأن تعيش الروح ظلمة | العقائد المنحرفة، ولوث الأخلاق الرذيلة، وأن تمارس الأعمال طالحة في مستنقع آسان الذنوب والمعاصي المهلكة!

رؤية الإسلام للحياة والموت

1- الإنسان الذي يعيش العبودية لبطنه وفرجه، ولا يتورع عن تجاوز حدوده ربه، ويعيش كالأنعام، فهو حيوان في صورة إنسان.. «فالصورة صورة إنسان، والقلب قلب حيوان، لا يعرف رأي الهدی فيتبعه، ولا باب العمى فيصد عنه، وذلك ميت الأحياء» نہج البلاغة / خطبة ۸۷

وعن الإمام علي ليلاه «الجاهل ميت بين الأحياء»

٢- وأما الإنسان الذي يعيش العبودية لربه، ويكون قادرا على أمره ونهيه، فهو حائز على الحياة الطيبة ولو رحل عن الدنيا فهو حي بمبادئه، فضائل أخلاقه وكريم أعماله كما يقول الإمام علي للا: «لم يمت من ترك أفعالا تقتدي بها من الخير، ومن نشر حكمة ذكر بها»

الموت والحياة في مدرسة الإمام علي: نقف على أعتاب ربيب الوحي، و ندخل من باب مدينة العلم الرسول الله ، ولنصغي إلى الإمام علي طلب لنتعرف على الرؤية العلوية للموت والحياة حتى نسلك طريقه ونعمل بمنهجه

وبداية القصة…

أنه قبل أن تلتحم الصفوف في معركة صفين بين الإمام علي الله بن معاوية ابن أبي سفيان لعنة الله فإنه جيش الشام سبقه جيش الكوفة إلى الماء، فقاموا بمنع أصحاب الإمام علي ليلا من شرب الماء!!

فتوجهوا للإمام علي ليلا ليخبروه بالأمر فأرسل الإمام ليلة إلى معاوية الرسول والكتب يخبره فيها بأن الماء حق للجميع، ولا يحق له أن يمنع أحدا من شربه. ألا أن معاوية لم يصغ الا رسائل الإمام أمير المؤمنين ولا وأخذتهم العزة بالإثم في ذلك!

ووصلت كل مبادرات الإمام علي ليلا إلى طريق مسدود وما عادت الحلول العلمية تنفع مع هذا الشيطان الرجيم، فوقف أمير المؤمنين الله أمام جيشه، وألقى عليهم خطبة حماسية قال فيها: «فإن القوم استطعموكم القتال، فأقروا على مذلة، وتأخير محله، أو رؤوا السيوف من الدماء ترووا من الماء، فالموت في حياتكم مقهورين، والحياة في موتكم قاهرين» نهج البلاغة خطبة 51 فكانت هذه الخطبة منه إهداء لكل الثوار الذين يسيرون على نهج الإمام علي بن أبي طالب لیلا في مواجهة طغاة كمعاوية بن أبي سفيان، بغاة كجيش الشام، إنه منهج السلة أو الذلة: فأما الحرب والجهاد ولغة السيف، وأما الاستسلام والخنوع والقبول بذل الحياة!

وبئر معطلة وقصر مشيد

خطوات وحزب الشيطان لا يعرفون من الحياة إلى الظلم والفساد، ولا يفقهون إلى سلب الحقوق وانتهاك الأعراض! لا عدلا يقيمون، ولا إصلاح يسعون إليه! ولا يرضون إلا بأن يكونوا أسيادا وغيرهم عبيدا! وحكمهم قائم على البئر المعطلة والقصر المشيد، فهم وأعوانهم يعيشون في القصور ناهبين مقدرات الأمة، سارقین ثرواتها جاثمين على خيراتها، وعامة الناس تعيش على فتات موائدهم ونار الجوع تصطليهم، وزمهرير الخوف يقرصهم، ورياح الضياع والبؤس والتشريد تعصف بهم بين طفل يتيم ونوح أم ثكلى، وأنة زوجة شاب أسيرا.

حتمية الحرب والصراع

وهؤلاء الطغاة البغاة لا تنفع معهم لغة السلام، فهم لا يرتدعون إلا إذا شاهدوا السيوف والسهام! والطواغیت – ومن خلال ظلمهم – يستطعمون الناس القتال، ويطلبون – عمليا- من المستضعفين الحرب والنزال، فأفعالهم فعل من لا يريد سلما، وطغيانهم ينسف كل راحة وأما… «قد استطعموكم القتال»!!

بين السلة والذلة

والناس في مواجهة الظلمة الطغاة بين خيارين لا ثالث لهما: إما الذل والمهانة، وأما خيار العزة والكرامة.

• فإذا قبل الناس أن يعيشوا عبيدا للطغاة، خائفين من الحرب والبراز، مرتعدين من عدة وعتاد البغاة، راضين بالعيش على فتاة العتاة، فهذا قبول لخيار الذلة والمهانة والخزي والاستكانة «فأقروا على مذلة وتأخير محله»! |

• وأما إذا رفض الناس معايشة الأقزام وأبوا إلا أن يعيشوا حياة الكرام، ولا يخفضون الهام إلا لرب الأنام، ويجاهدون الأعداء ويمنعون تعديهم، ويصبروا على مر السجن، وألم القتل وأصناف البلاء، فهذا  اختيار العزة والكرامة.

« أو رؤوا السيوف من الدماء ترووا من الماء»

والناس في مواجهة الظلمة الطغاة بين خيارين لا ثالث لهما: إما الذل والمهانة، وأما خيار العزة والكرامة.

لغة السيوف

وطريق العزة والكرامة والشموخ والعظمة، لا يأتي إلا مع خيار إرواء السيوف من دماء الطغاة وأعوانهم البغاة «رؤوا السيوف من الدماء ترووا من الماء»، فكرامة الشعوب لا يمكن أن تحصل عليها إلا إذا تقلدت سيوفها وتوجهت إلى جبهات القتال كي ركع عدوها، وعندها سوف تسترد المطالب وتسترجع الحقوق، ويرتعد للعدو فلا يعود .. «لنا حق فإن أعطيناه وإلا ركبنا أعجاز الإبل وإن طال السري»

الموت في حياتكم مقهورین

تقدم أن للأجساد والأرواح حياة وموتة، ونضيف قائلين: بأن للأمة موا وحياة أيضا، فأما «موت الأمة» فأن تعيش ذليلة خانعة، قد تم على جبينها العبودية الظلمة، وتقش على ناصيتها الهوان والاستكانة، تحيا في أوطانها غريبة، تصبح مهانة وتمسي جبانة، تطؤها أقدام شرار البرية! يكتويها الجوع ويحرقها الخوف، وتلتهمها نار الطائفية وتعصف بها رياح بندرية «فالموت في حياتكم مقهورين» في «الموت الحقيقي» أن تكون الأمة مقهورة مغلوبة على أمرها تعاني سياط الظلام وضيم الزمان والفساد، والبعد عن أحكام الله وشريعة السماء!

الحياة في موتكم قاهرين

وأما حياة الأمة فأن تعيش كريمة عزيزة في أوطانها، وعابدة ومنقادة الأحكام ربها وشريعة نبها و الله ، فالأمة التي لا تقبل إلا بالعبودية لله جل جلاله، وترفض عبودية أعداء الله، غير خاضعة لهم، والمطالبة بحقوقها وسيادتها هي أمة حية.

الحياة في موتكم قاهرين

 في «الحياة الحقيقية» هي في كون الأمة غالبة غير مغلوبة، قاهرة غير مقهورة. لا تتحقق مثل هذه الحياة إلا بالرجوع إلى الإسلام وتعاليمه. وعليه لابد من إتعاب الابدان وتجريعها ألم العذاب في سبيل حياة الأرواح، ولابد من اقتحام الموت لتحقيق الحياة، فحياة الأمة متوقفة على معانقتها السيوف والرماح وخط الجهاد.

كربلاء وحياة الأمة

وفي كربلاء.. حشد الإمام الحسين في هذا المنهج العلوي، وكتب نہج أبيه أمير المؤمنين و يلا بمداد دمه، وسطر حروف العزة على عرصة كربلاء بأجساد أصحابه، ورفض الذل بذبح طفلة! وعلماء الأمة كيف ترتدي لباس الكرامة بسلب حرمة وحرق خيامه… فبدمه وشهادته أحيا الأمة، وببذل مهجته أسقط الطغاة والجبابرة، فكان الدماء الطاهرة منتصرا، وكان الباغي مندحرا.

هيهات منا الذلة

إنه الشعار الخالد الذي أطلقه أبو الأحرار حتی دوى في سماء البشرية، نداء يردده الأحرار، وينتهجونه في حياتهم ضد الأشرار! فالأدعياء وأبناء الطلقاء يخيرون الشعوب دائما بين الحرب والنزال ومقارعة السيوف، أو الركوع لہم والخضوع لإرادتهم والاستسلام لجبروتهم! فكان الرد من سيد الشهداء وإلى كل مستضعفين العالم وهو استحالة القبول بالذلة والركوع للظلمة…

ف«هیهات من الذلة» هو خيار خالد ما بقي حر، وهو شعار مرفوع ما حيي إنسان طاهر.. «ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين: بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة».

فالأمة التي لا تقبل إلا بالعبودية لله جل جلاله، وترفض عبودية أعداء الله، غير خاضعة لهم، والمطالبة بحقوقها وسيادتها هي أمة حية.

نفوس أبية وأنوف حمية

وخيار العزة والكرامة هو خيار من طہر منبته وزكت نفسه، فعاش الإباء والمنعة والرفض لكل مشاريع الظلمة، وهو خيار من شمخت أنوفهم عن حطام هذه الدنيا وعن الاستسلام للفسقة الخونة، أما من تلوث بالذنوب والمعاصي، وانخدع بزخاريف هذه الدنيا، ونسي الأخرة و الزلفي، فهو لا يأبي بأن يركع ويخضع ويسير في ركاب الظلمة …… شر البلية.

مصارع الكرام لا طاعة اللئام

إنه سيد الشهداء والله الذي علم الإنسانية دروس الإباء وأنه متى ما خیر انسان بين دمصارع الكرام، وبين طاعة اللئام فإنه لا ينبغي التردد ولا الارتياب في تقديم حمصارع الكرام، والتضحية بالأرواح والنساء والأطفال وصبغ الأرض بدماء الشهداء وملأ السجون بالثوار الشرفاء.

وهيهات لها أن تطيع اللئام وتستسلم لوعيدهم ولو كان ما كان! «ونفوس أبية، وأنوف حمية، من أن تؤثر طاعة اللثام على مصارع الكرام»

ف وهكذا بقي الحسين و لا حيا ما مات، ونهجه مشرقا ما غاب! فمن سار على نهج الإمام اللاه عاش الحياة، ومن زاغ وابتعد عنه ابتلي بالموت والفناء!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى