الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

الإمام الحسين: «أيها الناس! إن رسول الله و الله قال: من رأى سلطان جائرا، مستحلا الحرم الله ناكثا لعبد الله، مخالفا لسنة رسول الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، ولم يغير بقول ولا بفعل، كان حقا على أن يدخله مدخله».

تمهید

إن فريضة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» من أعظم الفرائض في دين الله جل جلاله»، فيها تقام الفرائض، وبحفظها تحفظ سائر الأحكام والشرائع.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يقربان من أجل ولا ينقصان من رزق. وتركهما يؤدي لتسلط شرار الخلق على خيارهم، ثم يدعو خيار الناس فلا يستجاب لهم! والعذاب ينزل على الأمة التاركة لهذه الفريضة العظيمة!

وفي كربلاء أعاد الإمام الحسين لله هذه الفريضة إلى مسرح الحياة، بعد أن هجرت وضيعت في زمن حكومة الظلمة الطغاة! رجعت هذه الفريضة ببركة تضحيات سيد الشهداء و لا لبث الحياة في شرايين باقي تعاليم السماء، ويعود الإسلام من غربته، ويحفظ من كيد الظلمة وعلماء البلاط وأقلام الأجراء، حتى عرفت كربلاء بثورة «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» .. فب «کربلاء» أقيمت هذه الثورة لتبقى خالدة إلى يوم القيامة!

قصة أصحاب السبت

ومن القصص القرآنية – التي تشير إلى فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – ما يسجله ويحكيه

عن «القرية» التي كانت حاضرة البحر، حيث حرم عليهم الصيد وسائر الكسب والعمل يوم السبت، وأمروا بالاشتغال في هذا اليوم بالعبادة فقط! إلا أنهم اعتدوا على حدود الله جل جلاله بالصيد في يوم السبت المحرم عليهم! وقد كان الإبتلاء الإلي لهم بأن الأسماك كانت تأتيهم يوم السبت ظاهرة

طافية على وجه الماء، وفي غير يوم السبت – من سائر الأيام – لا تأتهم الأسماك ويكون صيدها صعبا! فقامت «فئة» بصنع خديعة حيث اتخذت حياضا بجانب البحر، إذا دخلتها الأسماك فإنها لا تقدر على الخروج منها! فكانت الأسماك تدخلها يوم السبت، فتأتي هذه الفئة فتصيد السمك يوم الأحد! يقول تعالى: «واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذا يعدون في السبت إذ تأتهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون» الأعراف 163 |

الناس إلى ثلاثة أقسام

وقد انقسم أهل القرية إلى ثلاثة فرق:

الفريق الأول : الذين خالفوا أمر الله تعالى وكان وهم هم الأكثرية

الفريق الثاني: الذين قاموا بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تجاه الفريق الأول

الفريق الثالث: الساكتون المحايدون، الذين لم يوافقوا العصاة، ولا قاموا بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

الساكتون يعترضون

والغريب في هذ الزمان هو اعتراض الناس الساكتين – والذين لا ينهون عن المنكر – على كل من ينهي عن المنكر أو يأمر بالمعروف، حيث يخاطبونهم: ما الحكمة؟! وما الداعي من نهبهم عن المعصية وتجاوز حدود الله جل جلاله ما دام العذاب سوف ينزل عليهم أما في الدنيا أو في الآخرة «واذا قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا» الأعراف 164

وإذ قالت أمة منهم «وهم الفريق الثالث يخاطب الفريق الثاني» لم تعظون قوما «وهم الفريق الأول» الله مهلكهم «في الدنيا» أو معذبهم عذابا شديدا في الآخرة»!!

الاعتذار إلى الله

 فكان جواب الفريق الثاني الناهين عن المنكر أولا: بأننا وإن لم نقع في المعصية ولم نتع في السبت بالصيد، ولم نتجاوز حدود الله سبحانه وتعالى، لكن هذا لا يكفي لإسقاط العذر أمام الله عز وجل؛ وذلك أنه إذا وقعت معصية، وانتهكت حرمة الله تعالى بتجاوز حدودها ومخالفة أحكامه، فإن الواجب هو النهي عن المنكر، وهذا تكليف رباني لا بد من القيام به، «قالوا (وهم الفريق الثاني معذرة إلى ربكم»، ففي يوم القيامة بما نجيب الله جل جلاله إذا سألنا لماذا لم تنهوا عن المنكر ؟! فكما يجب علينا أن نصلي ونصوم ونحج، كذلك يجب علينا أن نأمر بالمعروف وننہی عن المنكر.

ولعلهم يتقون

وكان جواب النهي عن المنكر «ثانيا»: أنه في نهيهم عن المنكر رجاء صلاحهم، واحتمال ارتدادهم عن غيهم وضلالهم، فيتوبوا ويؤوبوا ويرجعوا إلى رشدهم، فلا يصيبهم هلاك الدنيا، ولا عذاب الآخرة… ولعلهم يتقون» الأعراف 164

وهكذا يكون الإنسان رحيما على أخيه الإنسان، حتى على العصاة، في السعي لإصلاحهم قدر المستطاع، خصوصا إذا لم يكونوا من الجبابرة والعتاة الذين لا ينفعهم امر ولا نهي!

العذاب على الفريقين

لم تنت؛ قصة أصحاب السبت وما حصل على أهل القرية، فإنه بعدما حصل من معصيته وتجاوز على حدود الله تعالى والاعتداء بالصيد يوم السبت، فإن الله جل جلاله أنزل العذاب الشديد على الفريقين:

• الفريق الأول: وهم الذين خالفوا أمر الله تعالى وباشروا بالمعصية بالصيد يوم السبت

• والفريق الثالث: وهم الساكتون المحايدون، الذين لم يوافقوا العصاة، ولا قاموا بنهيهم عن المنكر؟

ولم ينج من العذاب إلا «الفريق الثاني» وهم الذين لم يعصوا الله جل جلاله، و نهوا العصاة عن تجاوز حدود الله تعالى «فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون» الأعراف 165

كربلاء والإعتذار إلى الله؟

والإمام الحسين و لا رأي سلطانا جائرا، وهو يزيد الفاجر، مستحلا لحرم الله، ناكا لعهد الله، مخالفا لسنة رسول الله و الله ، ورأى كيف جرت الأمة إلى معصية ربها، ومخالفة سنة نبيها، حيث لا يعمل بالحق ولا يتناهي عن الباطل، فكان من الواجب القيام بالثورة حتى يكون معذورا أمام الله جل جلاله، فقام بالتكليف الإلهي من خلال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى. ولأن واقع الأمة ومصيرها وصل إلى حافة الانهيار، وقرب نزول العذاب، فإن الأمام الحسين للاق أقام فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدمه الذي روي عرصة كربلاء، وبروحه التي عرجت إلى السماء، فزلزلت أقدام الأدعياء، وأهوت بعروش الأعداء، بعد أن نہی عن المنكر خاطبا وأمر بالمعروف واعظا؟

والإمام الحسين لله عندما يسمع الأمة قول جده المصطفى و له فيها يرتبط بالطغاة الفسقة والحكام الجبابرة، فهو ** أولى من مثل قول جده ويطبقه بدمه، ويضحي في سبيله بروحه ومهجته! وكيف يسكت أبي الضيم وهو يرى الطغاة، وكيف لا يثور وهو يرى انتهاك حرمات الله وتغيير سنة رسوله ؟! وهل يقبل الله أن يكون مصيره مصير الطغاة الظلمة، وتكون خاتمته جهنم والنيران ؟! حاشاه ثم حاشاه!!

من رأى سلطان جائرا ، ولم يغير عليه بقول ولا بفعل، كان حقا على الله أن يدخله مدخله»، فلم يكن العذر يحصل إلا بشهادته وفدائه للدين، وهذه ملحمة كربلاء!!

كربلاء .. وهداية البشرية

وكانت ثورة الإمام الحسين ليلة السبب لهداية الأمة، واستنقاذها من الضلال في الفكر، والجهالة في السلوك والفعل.

ولعلهم يتقون»، فهو وإن انهزم عسكريا، وقتل هو وأهل بيته وأصحابه، إلا أنه لا وصل إلى هدفه حيث صان الدين بعد ضياعه سنين، وهدى المسلمين بعد أن كادوا يزلوا في النار هالكين! ولم يكن يبتغ هداية الأمة في زمانه وحسب، بل كان مرامه هداية البشرية، فالإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء، فبقي الإسلام – وهو أساس الهداية إلى اليوم ببركة سيد الشهداء و ليله وأصحابه انصار دین الله جل جلاله».

والإمام الحسيني عندما يسمع الأمة قول جده المصطفى مد فيها يرتبط بالطغاة * الفسقة والحكام الجبابرة، فهو قليلا أولى من يمثل قول جده ويطبقه بدمه، ويضحي في سبيله بروحه ومهجته موقعية فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

وهذه الفريضة العظيمة – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – لها موقعية حساسة ودور محوري من بين سائر الواجبات والفرائض، فهي وإن كانت واجبة كوجوب الصلاة والصوم والحج إلا أن فيها ميزة تزيد على سائر الفرائض، وهي أن كل الفرائض تحتاج إليها، وتستعين بها وترجع حضنها وظلها، وذلك أنه إذا قصر الإنسان تجاه واجب فلم يص مثلا، فإن هذه الفريضة – الأمر بالمعروف. تأتي لتأمر تارك للصلاة بأن يصلي. وإذا قصر الإنسان وارتكب محرما، كما لو اغتاب مثلا، فإن هذه الفريضة – النهي عن المنكر – تأتي لتنهاه عن الاغتياب!

وعليه فأي عطب أو خلل اتجاه الأحكام فإن هذه الفريضة هي التي تصلح الفساد، وتعيد مجاري الأمور لوضعها كما كان.

والمجتمع لا يضيع تائها، ولا تحل عليه المصائب بسبب ارتكاب معصية هنا أو ترك واجب هناك إذا كانت هذه الفريضة قائمة يعمل بها أبناء الإسلام. أما إذا عطلت هذه الفريضة فإن باب المصائب سوف ينصب على العباد والبلاد! وفي الحديث: «و ما أعمال البتراو الجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلا گفة في بحر أجي» شرح نہج البلاغة / خطبة 19

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى