بنیان مرصوص “خواص أهل الحق”

الإمام الحسين وليد: «و إني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فإن السنة قد أميتت، والبدعة قد احييت، فإن تجيبوا دعوتي وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد»

تمهید

إن نصرة دين الله جل جلاله شرف لا يحظى به إلا الصفوة من عباد الله، ووسام «أنصار دين الله» لا يطبع إلا على جبين هامات سمت للمعالي، لا تطلب دنيا ولا حطام زائل، بل وجهت القلوب للآخرة ووجه الله وابتغاء مرضاته..

قام «أنصار دين الله» لله، وسعت لأعلى كلمة الله، فصبروا في جنب الله على مر أعداء الله، وتجرعوا المخصص من قتل وسبي وسجين وتشري؛ مسترخصين هذه الحياة الزائلة، ومشترين الجنات الخالدة، والمقام عند الله جل جلاله»..

أنصار الحق أصحاب همم عالية يعجز الطير عن الوصول إلى قمم جبالها، وطهارة نفوس تفوق صفاء الماء المعين، ورقة ورحمة على المؤمنين، وشدة وغلظة على الكافرين.

 وكربلاء… تبقى الأسوة والأنموذج لكل الأنصار الذين بذلوا النفوس والمهج والدماء، ببصيرة ثاقبة وعزم صلب لا يلين… فكانوا «أنصار دين الله» وأحبائه على مدى الدهور والأزمان، وعلى خطاهم تسير قافلة أنصار الحق.

الجهاد في سبيل الله

إن الله جل جلاله يرغب ويحث المؤمنين على أن يجاهدوا في سبيل الله ويقاتلوا أعداء دينه، ف الدين» الذي أرسله إلى نبيه نور ساطع من عنده، وهبة سماوية أنزلها على خلقه، كي تكمل البشرية في إنسانيتها وتحقق سعادتها في دنياها وأخراها.

وأعداء الله وأعداء الدين – وهم أعداء البشرية – يسعون لإطفاء نوره، ومحو آياته، وتغيير سنته، والله متم نوره ولو كره الكافرون، ومظهره على كل الأديان ولو كره المشركون.

ونصرة هذا الدين، ورد كيد الكافرين، يكون بأيدي عباده الصالحين الذين امتحنهم الله جل جلاله بنصرة دينه، فكان الشرف لمن ينصر دينه، والرفعة لمن يجاهد في سبيله.

وهناك مجموعة خصال وصفات لأنصار الحق نذكر بعضا منها:

القيام لله

إن الحجر الأساس لمن يريد الجهاد في سوح النزال هو أن يكون القيام لله، «إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنی وفرادی»، فالمحرك والدافع نية إلهية خالصة لوجهه الكريم، لا تخالطها شائبة دنيوية، ولاتمازجها أهداف ذاتية شخصية أو حزبية… إنه قیام لله وفي سبيل الله «واجعل فكره وظعنه وإقامته فيك ولك»، ومن قام من أجل الدنيا، ومن أجل الحصول على منافع دنيوية شخصية أو حزبية، وكان قيامه شيطانيا، فصاحبه لا يستحق الإعظام ولا المدح، ولو خاض الحروب ودخل السجون! كما أنه لا يحصل على شيء في الآخرة «خسر الدنيا والآخرة»

الهدف هو إعلاء كلمة الله

والمجاهد لابد أن يكون هدفه من الجهاد إعلاء كلمة الله ورفعة دينه وسيادة شريعته وأحكامه على خلقه «ليكون دينك الأعلى و حزبك الأقوى وحظك الأوفي»، فبذل الدم والنفس والمال والعرض والولد لا يعقل أن يكون من أجل دنيا و حطام زائل، فالشيء الوحيد الذي يمكن أن يكون قابلا لمثل هذه التضحيات هو «دین الله» لا غير؛

الجهاد تكليف إلهي

إن من التكاليف الملقاة على عاتق العباد هو أن يكونوا أنصارا لله تعالى، «يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله» الصف ۱۱

فالإيمان لايتم إلا بنصرة الدين والدفاع عنه من كيد الكافرين، وحفظه من اعتداء المنحرفين الضالين. والجهاد باب خاص للتكامل والرقي، لا يوفق له الكل، بل لا يلجه إلا الخاصة من الأولياء يقول الإمام علي لا: «فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه» نہج البلاغة / خطبة ۲۷

تجارة من الله

إن الله جل جلاله يعرف الإنسان على تجارة مربحة «يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة» تجارة تنجيكم من عذاب أليم، وتدخلكم جنة نعيم، بعد غفران الذنب العظيم

 «يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن» الصف ۱۲

وهذه التجارة ثمنها أن يقدم الإنسان نفسه، ويبذل مهجته ويسفك دمه، كي يحصل على كل هذا الأجر العظيم… «تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم» الصف ۱۱

حيث تقديم هذه النفس، وهي متاع قليل لأيام معجلة فانية، من أجل أن يبقى خالدا في مساكن طيبة، وجنات تجري من تحتها الأنهار، «وذلك الفوز العظيم».

والحاصل: إن المؤمنين في تجارة دائما مع الله جل جلاله. وتبرز هذه التجارة بأبهى صورها في ساحات الجهاد، حيث إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم! وهذا هو رأس مال التجارة، والعوض والجزاء هو الجنة!

«إن الله اشتري من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون» التوبة ۱۱۱

النصر والفتح في عيون أنصار الله

والله جل جلاله يعد من ينصر دينه بالنصر والفتح «وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب» الصف ۱۳ فإن الذي يستجيب للنداء الرباني، ويؤمن بما جاء به أنبياؤه ويجاهد في سبيله… فإن الله سبحانه وتعالى يؤيدهم بمدد من السماء، وينصرهم على عدوهم، ويجعلهم ظاهرين عليهم، بعدما كانوا في الأرض مستضعفين… «فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين»، ومع ذلك فإن أولياء الله وأنصار دينه، لا يعدون النصر في رتبة ومنزلة الفوز الأخروي، فحتى لو أنعم الله جل جلاله على عباده بالنصر والفتح في الدنيا، والغلبة على الأعداء، إلا أنهم على حذر من أمرهم وخشية تزلزل أقدامهم، لأن النصر في الدنيا لا يضمن النجاة يوم القيامة، فقد لا يستقيم المنتصر والفاتح ، وقد يزيغ بعد ذلك عن الصراط المستقيم فتخدعه الدنيا بغرورها، وتوقعه في فخاخها وشهواتها، فيخسر النجاة ويصير من أهل النار، ومع الظلمة!

وعليه: فليكن هم المجاهدين وأنصار دين الله هو الفوز الأخروي، وأما النصر الدنيوي فلا ينبغي الأسف عليه لو فات عنهم، ولا الاغترار به لو ظفروا به فالأمور بخواتيمها.

فلسفة القتال والحرب

إن الحث والدعوة إلى الحرب والقتال، ليس من أجل الرغبة في زهق الأرواح وسفك الدماء، بل لكون

الطغاة يقفون في وسط طريق تكامل البشرية، كالأشواك التي تدمي طريق السالكين، وتؤذي العابرين! فلا هم يهتدون، ولا يسمحون بهداية الآخرين، بل يضلوا وضلوا، كما هو حال فرعون ونمرود والجبابرة أجمعين! فكان الواجب قلع هذه الأشواك وتطهير الأرض من لوث هذه الأرجاس حتى ترجع للناس صفاء فطرتهم، ويعودوا لعبادة ربهم «وفرغهم عن محاربتهم لعبادتك، وعن منابذتهم للخلوة بك حتى لا يعبد في بقاع الأرض غيرك، ولا يعقر لأحد منهم جبهة دونك» دعاء أهل الثغور

قوة الإرادة وصلابة العزم

ومن الأمور اللازمة والضرورية ل «أنصار دين الله» هي قوة الإرادة وصلابة النفس وعلو الهمة وحمل قلوب كزبر الحديد، حتى لا يلينوا ولا ينهزموا ولا يفكروا بفرار. ف «أنصار الله» في ساحات الوغى بنيانهم محکم کالرصاص، فالجبال تزول وهم لا يتزلزلون، وتتصدع الأرض ولا يتراجعون، قد وتدوا في الأرض أقدامهم، وأعاروا الله جماجمہم، ونظروا أقصى القوم غير مرتعدين من كثرة عدوهم…

«إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص» الصف

وضعف الإرادة ووهن العزم، من الرذائل المنافية لسعادة النفس الإنسانية، فالله جل جلاله بنی سعادة النفس الإنسانية بفعل الخير واكتساب الحسنات عن طريق الاختيار. ومفتاح الاختيار هو العزم والإرادة، ولا تأثير إلا للراسخ من العزم والإرادة. وتخلف «الفعل» عن «القول» ملوك وسبب عن وهن العزم وضعف الإرادة، ولا يرجي للإنسان مع ذلك خير وسعاده!

نسيان الدنيا وذكر الآخرة

ومما يقوي الإرادة ويثبت العزم عند لقاء الأعداء هو نسيان الدنيا وزخارفها الهدامة… «أنسهم عند لقاء عدوهم ذكر دنياهم الخداعة الغرور، وام عن قلوبهم خطرات المال الفتون» وذكر الآخرة والتذكير بها

واجعل الجنة نصب أعينهم، ولوح منها لأبصارهم» دعاء أهل الثغور. وذلك من أجل الثبات في الجهات، وعدم التفكير بالفرار. وعندها ترتفع راية الحق، وتنتكس راية | الضلال… «حتى لا يهم أحد منهم بالإدبار، ولا يحدث نفسه عن قرنه بفرار». والدنيا – ذکرها والتعلق بها – من أكبر أسباب الانهزام، وأنصار الله باعوا أنفسهم وأموالهم وأولادهم.. من أجل الله والفوز برضوانه… فحصلوا على الدنيا والآخرة!

بصيرة أنصار الله

ونصرة دين الله جل جلاله تحتاج إلى بصيرة ثاقبة، تمكن صاحبها من الثبات أمام رياح الشبهات العاصفة، والنجاة مقابل أمواج الفتن الهائجة حيث لا منجى إلا لمن يتمتع به «رؤية كونية توحيدية» إيدلوجية إسلامية، فهو يعي من أين يبدأ، وكيف يثور، ولأجل ماذا يجاهد، وأي طريق يسلك! فهو يبصر الهدف والغاية، ويشخص الأعداء على اختلافهم، ويعرف كيف ينجو من كل هذه العقبات «قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني» يوسف ۱۰۵

الذوبان في القيادة

وأنصار الله وحماة دينه يعيشون الطاعة المطلقة لقائدهم، فلا يخالفونه في أمر ولا يعصونه في نہي، بل يعيشون الذوبان في قائدهم! كيف لا يذوبون فيه وهو معين من قبل الله جل جلاله، وقد أمروا بالذب عنه، والدفاع المستميت عنه كيانه وفدائه بالأرواح والدماء والأعراض والأموال. فهو نعمة الباري وأمانة في رقابهم.

أنصار الإمام الحسين

وقد سطر أصحاب الإمام الحسين و لاة أعظم الملاحم في حفظ هذا الدين الذي كان مهددا بالزوال وإطفاء نوره… ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره بدماء هؤلاء الأنصار، وبأرواح هؤلاء الثوار، فقط ذابوا في هذا الدين وعشقوه حتی فدوه بمجهم.. وأحبوا إمامهم حتی رعوا بين أقدامه. فكان الموت بين يديه أحلى من العسل، وأجمل ما التذوا به في حياتهم…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى