رؤية الإسلام للثوار
«الإسلام» له رؤية خاصة لـ «الثوّار» أيضاً، فلا يرى قيمة لكلِّ تضحيةٍ. . يقول تعالى: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذينَ لا يُريدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقين ﴾ فالفوز والفلاح لـ «المتقي».
والمُتقي الثّائِر لا يكون:
طالِباً للعلو، طالباً للرئاسة، طالباً للزعامة والوجاهة…، فالدّنيا كُلُّها في نظر أولياءِ الله «لاشيء» .. فهي حُطامٌ زائلٌ، وعَيشٌ كَدِرٌ لا يَستَحقُّ، بل لا يليق بأولياءِ الله أن يُفكِّرُوا فيها، فَضلاً أن يسعوا لها.. فلأنهم «أولياء الله» فهم هكذا لا هكذا!!
وإذا جـــاءت لــهـم الدُّنـــيا صَاغِرةً ذليلةً، كما جاءت لأمـــير المؤمنين ، فهُم لا يرونها إلا سُلّماً ووسيلةً لتأدِية فرضِ ربِّهم: بأَداءِ الحقّ لأهلِهِ، ومَنعِ الظُلمِ والطُغيانِ، وإقامةِ حُكم الله ورَفعِ كلمتِه وجعلها العُليا..
فـ «أولياء الله» يرون الحياة الدنيا كُلّها مِحراباً لعبادتهم وصلاتِهم: يركعون في خدمة شعبهم، ويسجدون في رفع مُعاناةِ أُمّتهم، ويُبَتِّلُون برفع حاجات بني جلدتهم، قاضين لحاجاتهم المادية والمعنوية…
والمتّقي الثّائر لا يكون مُفسِداً في الأرض، لا مُفسداً على المستوى الفردي: فهو يعيش الاستقامة، ولا تجد منه عوجاً ولا أمتاً، سائراً على الجادّة فكراً وسلوكاً وعملاً، غير مُنحرف ولا ضّالٍّ، لا في الفكر العقائدي، ولا في السلوك الأخلاقي، ولا في الحراك العملي..
وهو ليس بمفسدٍ على المستوى الاجتماعي والسياسي: فلا يَحمل إلا «رؤية الإسلام» فكراً وعقيدةً وسلوكاً وخلقاً وعملاً.. وكل همّه هو إقامةُ «الحكم الإسلامي» والأخذ بأيدي الناس لإقامة «حكومة العدل الإلهي»، وذلك بالسير وباقتفاء منهج الإسلام الكامل الخالد…
فهو ليس من أولئك الذين يُفَكِّرُون بـ «العلمانية الغربية»، ولا من الذين ييسعون لإقامة «أنظمة طاغوتية». لا تحكم باسم الله وشريعة الإسلام، ولا تعيش في ظلاله!
فهذا هو الفساد والبلاء العظيم الذي اِبتلى به المسلمون في هذا العصر: حيث انبهروا بـ «الطرح الغربي العلماني» وبـ «الدولة المدنية» ومع كونهم مؤدّين لفرائضِ ربِّهم الفردية – من صلاة وصيام – إلا أنّهم في مجال الحُكم والسياسةِ والقضايا الاجتماعية والسياسية العامة يرون فصل الدين عن السياسة عملاً، وإن لم يتجرأوا بالإفصاح عن ذلك قولاً!
.