وجودَ عالمٍ فاسقٍ كشريحِ القاضِي كانَ سبباً لإخمادِ الثّورةِ
كانَت هُناكَ عِدّةُ عَوَامِل كانَت السّبَبَ فِي إِخمَادِ الثّورَةِ الّتِي نَهضَ بِهَا مُسلِمَ بن عَقِيلٍ، وهَذه العوامِلُ كالسُنَنِ الجاريةِ فِي التاريخِ، فهي تَتَكَرّرُ وتُعِيدُ نَفسَهَا كمَشهَدٍ خَالِدٍ وإِن تَغيّرَ الزّمانُ والمكانُ وأهلهُما.
علماءُ البلاطِ والسّلطَان: إنّ وجودَ عالمٍ فاسقٍ كشريحِ القاضِي كانَ سبباً لإخمادِ الثّورةِ، فوقوفُه مَع الحَاكمِ الظالمِ وعدمُ صراحتِه مع مجتمَعِهِ وشَعبِه، فضلاً عن أن يُفَكّرَ بتقديمِ تضحيةٍ فِي سبيلِ الله وفِي زوالِ الظّلمِ والظّالمِ، كانَ كلُّ ذلك له الدّورُ فِي إِخمادِ الثّورةِ وإِرجاعِ النّاسِ إِلى بيوتِها، خصوصاً بعدَ أَن شَهِدَ زوراً وكذباً بأنّ هاني سليمٌ وهُو حيٌّ.
أصحابُ المَطامِعِ والـمّصَالِحِ: وجودُ أصحابِ المصالحِ الذين هيّجُوا النّاسَ وأَمَرُوهم بالإلتفافِ على قصرِ الإمارةِ ومحاصرتِه، ولَم يَكنْ هَدَفُهُم الواقِعِي فِي ذلكَ هُو تَخلِيصُ هاني ابنَ عروةَ مِن الأسرِ والقَتلِ، بَل هِي حيلةٌ وخدعةٌ لأَجلِ اِمتصاصِ غضَبِ الجماهيرِ ومن ثمّ خِداعُهُم، وعُمومُ النّاسِ كثيراً ما يثورونَ بقوّةٍ وسرعةٍ ويخمدون بقوةٍ وسرعةٍ.
ملاحظةٌ: إنّ هذينِ الصنفَينِ – علماءُ السوءِ وأصحابُ المصالحِ – كانُوا وما زالُوا يَسيرُونَ تحتَ خُطّةٍ واحدةٍ، وكلٌّ مِنهُما يقومُ بدورٍ خاصٍّ لأَجلِ مَصالِحِهِم الذاتيّةِ وعلى حسابِ مصالحِ الأمّةِ وقِيَمِ الإِسلامِ ومبادئِ السّماءِ.
مجتمعُ الهمجِ الرّعاع «الجاهل المنهزم»: وجودُ أمّةِ الهمج الرّعاعِ التي لا بصيرةَ لها والتي تعيشُ خواءَ الإرادةِ وضعفِ العَزيمةِ والمهزومةِ فِي داخلها: خوفاً مِن الموتِ وطمعاً في الأموالِ وحُطامِ الدّنيا، فهي تتحركُ بلا وعيٍ وتثورُ عَن جَهلٍ وعماءٍ، وتتوقفُ مِن غيرِ مُبرّرٍ عُقلائِي ومِن غير أن تَحصلَ على النتائجِ والمكتسباتِ.
والنتيجةُ: أنّ مخططَ الطاغيةَ ابن زيادٍ وأعوانِهِ قد تحققَ فقُتلَ هاني ابنَ عروةَ واستشهدَ مسلمُ ابن عقيلٍ، وانجرّتِ الويلاتُ على مجتمعِ أهلِ الكُوفةِ بل وعلى الإِسلامِ، وكانت النّتيجةُ المُرّةُ استشهاد الإِمام الحسين على أيديهِم.