إحياء عاشوراء

تمهید

عاشوراء .. تتجدد لنا في كل عام، بذكر مغلي بدم الجراح، وجع بكاسات الرماح، قد ځضب شيبه، وثب خده، ولب بدئه، وقع بالقضيب ثغره.

نعيش معه في ذكراه بقلب مقروح ودمع مسفوح، نصبځ ونمسي عليه مفجوعين محزونين والهين متألمين متمنين لو نا معه في الطفوف لفديناه بأنفسنا ح السيوف، وبذلنا حشاشاتنا دونه مستشهدين.

وعاشوراء … ملحمة جمعت بين «دموع العيون حزنة وكمدا»، و8 بين «أفكار العقول، بصيرة ووعيا»، فكانت «العين» تلهب النفوس إرادة وعزما، و»العبرة» تلهم العقول دروسا وعبرا .. عبر تنبع من بصيرة ثاقبة، وعبرة تنبثق من روح هائمة عاشقة.

وهكذا كانت ثشرق ومازالت على الأرواح والعقول: فتجعل الثائر رقيقا ذا دمعة وعالمة ذا بصيرة ..

وعاشوراء….. مدرسة تعطي دروس البكاء والحزن وذرف الدموع، ولهم دروس الفكر والوعي والبصيرة، وترست دروس العزم والثبات والإرادة الصلبة..

الإحياء العملي لعاشوراء

إن من أهم ما ينبغي الاهتمام به في إحياء عاشوراء: هو الإحياء العملي لهذه الثورة المباركة وذلك

من خلال تجسيد المبادئ والقيم والأهداف التي نهض من أجلها سيد الشهداء وروحه في سبيل تحقيقها.

ولا يتم ذلك إلا من خلال الاستلهام من وحي عاشوراء والارتواء من فيض ژلالها بما يبل الصدى ويسقي العطشى، وذلك من خلال:

أولا: معرفة الأهداف الحسينية.

ثانيا: التحلي بالروحية العاشورائية.

 ثالثا: العمل بالمنهجية الكربلائية.

 الأهداف الحسينية

• إن ثورة الإمام الحسين لا كانت من أجل دين الله (جل جلاله) وجعل كلمة الله هي العليا، وصون الدين من التحريف الذي أصابه من الحزب الأموي… « فإن الئة قد أميت، وإن البدعة قد أحييت».

• فخرج له من اجل الإصلاح آمر بالمعروف وناهيا عن المنكر، سائرا على نهج جده المصطفی و مبله * وأبيه علي المرتضى ليلا .. «و إنما خرج لطلب الإصلاح في أقۃ جي ص أريد أن آمر بالمعروف و نهی عن المنكر و أسير بسيرة جي و أبي علي بن أبي طالب ع»

• وكان الناس على شفا حفرة من النار، قد زاغوا عن الصراط، فشقوا في دنياهم وضلوا عن الهدف، فكانت جهنم في انتظارهم! ولولا ثورة الإمام الحسين لله الذي بذل مهجته في الله (جل جلاله) ليستنقذ عباده من الجهالة وحيرة الضلالة .. وبذل مهجته فيك، ليستنقذ عبادك من الجهالة وحيرة الضلالة» (زيارة الأربعين).

• وعلم الإمام الحسين و لاة الأمة كيف تعيش حية بعزتها، كريمة غير ميتة، رافضة لسيادة طواغيت زمانها، علمها لغة السيف واسترخاص الدماء والتفوس من أجل أن تسعد في دنياها وتفوز بنعيم أخراها… « ألا وإن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين، بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة» . سيتم عرض بقية الأهداف الحسينة في طيات الأبحاث القادمة.)

وعليه:

فالذي يريد إحياء عاشوراء يسعی:

أولا: لإحياء الدين في داخله ومجتمعه، جاعلا كلمة الله هي العليا، فيبذل مهجته ويسفك دمه ويضحي بكل ما عنده من اجل إقامة حكومة الإسلام بعقائده الحقة واخلاقه الفاضلة وأحكامه العملية النيرة. «إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي يا سيوف خذيني»

ثانيا: يقف بحزم أمام الأطروحات الإلحادية والرؤى الغربية والأيدولوجيات الشيطانية، فلا يغتر بديمقراطية غربية، ولا بحرية أو ليبرالية، ولا بتعددية استعمارية، ولاقه في فخاخ دولتهم المدنية… فكل هذه الضلالات تأخذ بالناس إلى نار جہنم والجحيم في الحياة الآجلة بعد أن تشقيهم في حياتهم العاجلة… «ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى» طه ۱۲۶ |

ثالثا: يلهب المحيي نفسه ويبث الحماس في شعبه ويدعوها للقيام والثورة على ظلمته وبغاة زمانه، حتى يعيش کریما عزیزا، غير خانع ولا ذليل، وراية الحق والعدل ترفرف على راسه، اخذة به وبشعبه إلى كمال الإنسانية والحياة الطيبة … “فالموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين “

الروحية العاشورائية

 • إن قيام الإمام الحسين للا كان لله وفي الله و في سبيل الله « إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا الله مثنی و فرادی » فكانت الثورة الإلهية في منطلقاتها، ربانية في مسيرها، توحيدية في أهدافها، فقد كانت لله وأداء التكليف الإلهي وحفظا لشريعة رسول الله، لا لحطام زائل، ولا وراء حفنة من المكاسب الدنيوية والمتع الآنية.

• كانت روحية الإيثار واسترخاص النفوس وبل الأرواح من أجل الله وحده، «ومن الناس من يشري

نفسه ابتغاء مرضاة الله» فقدم كل شيء من أجل ربه، وباع دنياه واشترى آخرته حتى استقر في مقام و القرب عند ربه.

• فكان نكران الذات ونسيان الأنا والبعد عن الأنانية، فلم يسمع في سلوك هذه الثورة أذان للأنا، ولم ير جدران الإنية والأنانية، بل لم يسمع ولم ير إلا صوت أذان الربوبية وذلت العبودية، فكانت الهجرة السلوكية الملكوتية إلى الله، بجهاد أعداء الله ونصرة دينه «ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله». فكان الإخلاص لله وكان الأجر على الله جل جلاله.

وعليه: فالذين يحيون عاشوراء، عليهم:

أولا: أن يعيشوا روحية القيام لله جل جلاله، فلا أهداف دنيوية، ولهث وراء مصالح شخصية أو حزبية أو قومية أو وطنية، بل قيام الله وحده.

ثانيا: أن يتمتعوا بالإيثار واسترخاص كل شيء في سبيل الله، فمن يغتر بالدنيا ويقدمها على الآخرة، من خلال اللهث وراء المال أو المنصب والجاه، أو الحصول على الشهرة أو أي شيء من الحطام…

فهو لم يعش تلك الروحية الحسينية بل عاش روحية أعداء الثورة الحسينية، الذين قتلوا الحسين ليلا بسبب حبهم للدنيا حيث جعلوه جسرا يعبرون من خلاله إلى مصالحهم الآنية الدنيوية!

ثالثا: أن يعيشوا نكران الذات وعدم جعل الأنا في المحور في إحياء عاشوراء، خصوصا من الأشخاص الذين يكون لهم دور بارز في عملية الإحياء، كالعلماء والخطباء والرواديد والجهات المنظمة ورؤساء المأتم، فلا يصح أن تكون الأنا الفردية أو الجماعية أو الحزبية هي الحاضرة؛ لأنها سوف تدمر روحية الإحياء وتهبط بها إلى الدركات!

وما المآسي التي نعانيها اليوم إلا بسبب هذا الداء العضال، فهذا مأتمي وهذا العزاء لقريتي، ولك مضيف قريتي وجماعتي و ..! فإذا رأيتم خلاقا بين مأتم ومأتم، وبين عزاء و عزاء، فالسر في كل هذه المصائب أن كل شيء كان حاضرا، إلا الله تعالى! في الأنا حاضرة، والأنانية متجذرة، والحزبية ظاهرة، والأهواء حاكمة.. كل هذه الأمور تجدها، ولكن لا تجد الله حاضرا، ولا الإخلاص له في القلوب متحققا! وإنا لله وإنا إليه راجعون.

المنهجية الكربلائية

وثورة عاشوراء قامت من أجل الإصلاح وإقامة الدين وإحياء الستة وإماتة البدعة، فلم تزغ ولم تنحرف عن الإسلام قید شعره، وعليه: فلابد من ملازمة الشرع في الإحياء والحذر كل الحذر من البدع في الشعائر الحسينية، حتى لا ينحرف الإحياء ولا الثورة عن هذه الأهداف، ويتم الاشتغال بأساليب في الأحياء تسيء إلى هذه الملحمة والثورة المقدسة.

والبعض من أهل البدع لا يغمض لهم جفن، ولا يسكن لهم رمش، ولا يطيب لهم خاطر إلا باختلاق البدعة تلو البدعة، وإشغال الناس – خصوصا الشباب – بها، حتى ينسون أب الثورة الحسينية، ولا يكون لهم هم إلا أمثال هذه البدع الشيطانية.

ذواتنا على ميزان عاشوراء

إن تقييم الذات – الفردية والاجتماعية – من الأمور الضرورية، حتى نرتقي بالإحياء ونعالج أي خلل في داخلنا.

ف «عاشوراء» كانت ومازالت الدواء الكثير من الأمراض، وهي ميزان عرف به عظمة الشعوب والأفراد، في مواقفها وسلوكها وتعاطها مع أحداث زمانها. فمن السهل أن ينتقد الإنسان غيره، ويلومه على أخطائه ومواضع ضعفه، ولكن قد يخفى عليه أنه مصاب بداء من انتقده، واقع في مثل أخطائه وضعفه!!

فنحن نلوم أهل المدينة ومكة المكرمة، وندم أهل الكوفة، ونعاتب كل الأمة التي عاش فيها الإمام الحسين و لاة أن كيف تركوه وحيدا فريدا ولم ينصروه ؟!

نلوم أهل المدينة؛ أنه كيف خرج الإمام الحسين لله من بينكم وتركتموه وحيدا ولم تخرجوا معه؟! وفيكم الصحابة وأبناؤهم وأصحاب الفضل والعلم والوجاهة؟!

ونعاتب أهل مكة؛ كيف يصبح ابن رسول الله غير آمن في حرم الله، وأنتم قادرون على حفظه والوقوف معه؟! ترونه يخرج من بيت الله وأنتم وقوف تنظرون وكأنه لا يعنيكم! .

ونذم أهل الكوفة؛ على ما فعلوه ب «مسلم بن عقيل» حيث انقلبوا على الأعقاب، وما اجترحوه من معصية عظيمة بترك نصرة الحسين ونصرخ في وجه تلك الأمة: كيف رأت سبي حريم الرسالة والطوف به من بلد إلى بلد مكتفية بالبكاء غير محركة لساكن وغير ثائرة على ظالم؟!

فهذه محطات مؤلمة، عاتبنا الغير عليها، وزدنا الذم والصراخ فيها، ولكن هل استفدنا من صراخ وأخطاء الآخرين، فلا نذل كما ذل السابقون ؟! |

نحن والحكومة الإسلامية

فإذا أقيمت (حكومة الإسلام وترتع عليها خليفة الإمام ورأينا أن العالم اجتمع على هذه الدولة الإسلامية الفتية: يعادونها ويحاربونها ويسعون إلى اجتثاثها من جذورها، فأين نحن من شرف الوقوف مع الحق ونصرة الإسلام والقائد الإمام الذي هو خليفة الإمام (عج) ؟!

نحن و«المطلوبون»: وعند الامتحان الصعب الذي يزلزل القلوب بضيافة «مسلم بن عقيل» من غالبية الأمة، فلا يجد له مأوى ولا معين، إلا «طوعة المؤمنة»!

ولنسأل أنفسنا ونقيم واقعنا: هل نكون که طوعة» نأوي المطلوبين والمجاهدين ليلاقوا مصيرهم معذبين ومسجونين وهل واستفدنا من الدموع التي ذرفناها على «مسلم» أو استلهمناها من «طوعة» وهي امرأة – دروس التضحية والفداء؟ أم كانت الدموع بلا فائدة،

و»طوعة» مجرد قصة عابرة!!

نحن والفقيه في غربته

كيف نستلم فقها من فقهاء الطائفة وهو نائب الإمام (عج) ليعيش الحصار في بيته معزولا عن شعبه مضيقا عليه في معيشته يعاني الأمراض مع تقادم سنه وكبر عمره! والناس تنام وتشرب وتأكل، بل وتلهو في دنياها! فهل يعاد قتل الإمام الحسين لبط بالتعرض لنائبه؟!

نحن النساء السجينات

كيف نستلم فقها من فقهاء الطائفة وهو نائب الإمام (عج) ليعيش الحصار في بيته معزولا عن شعبه مضيقا عليه في معيشته يعاني الأمراض مع تقادم سنه وكبر عمره!

والناس تنام وتشرب وتأكل، بل وتلهو في دنياها! فهل يعاد قتل الإمام الحسين عليه بالتعرض لنائبه ؟!

نحن النساء السجينات…

عندما نسمع عن نساء زجت في الطوامير يلاقين ذلك العذاب وضيم الإهانات والبعد عن الأهل والأولاد؛ لأنه نصرن الحق يوم خذله الكثيرون، وأوين أبطالا يوم ارتعدت أجساد وقلوب، فكيف يهنأ لنا العيش وهناك امرأة تعيش خلف القضبان ويصطلها الذل والهوان ؟!

فهذه محطات مؤلمة، عاتبنا الغير عليها، وزدنا * الذم والصراخ فيها، ولكن هل استفدنا من صراخ

وأخطاء الآخرين، فلا نذل كما ذل السابقون؟!

فأين إحياء عاشوراء؟!

فأين إحياء عاشوراء ؟! فهل هو بالصوت واقامة الرثاء والعزاء والمضيفات فقط؟! فهذه الأمور إذا لم تصل إلى حق الإحياء وعمقه، فلن نستفيد من هذه المدرسة العظيمة ولو أحييناها وأعدناها آلاف السنين!!

كل ما لدينا من عاشوراء

وفي الختام نقف عند رجل التاريخ العظيم وفقيه العصر والفيلسوف الحكيم والعارف الثائر، الذي أحيا عاشوراء الإحياء الحقيقي فأسقط عرش یزید زمانه و أقام حكومة أجداده ورفع راية الإسلام عاليا، بعد أن قارع الطاغوت أعواما.

قام الإمام الخميني (قده) وقامت الأمة معه لتحيي عاشوراء بالدم ونزع الأرواح، وتحمل السجن ومختلف العذابات.

فكان الإمام (قده) الخطيب الذي لبت الأمة نداءه بلبس الأكفان والنزول في الميدان! فعندما يقول الإمام (قده): «كل ما لدينا من عاشوراء، فهذا يعني أنه ذاب في عاشوراء وحلق في سماء كربلاء حتى كأنه كان معصم يبصركلة حدث بعين بصيرته، فيستنير بنور اشعاعاته، وليسلك طريق ثورته ويصل إلى أهدافها.

ففجر الثورة الإسلامية متحملا السجن والغربة وتقديم القرابين والأضاحي! حتى أسقط أكبر عميل ل « الاستكبار العالمي» ليقيم «الحكومة الإسلامية» التي يقف الفقيه – وهو صاحب الحق الأصيل – على رأس السلطات ويحكم باسم الإسلام وينشر شريعة السماء.

كل ما لدينا من عاشوراء… تستبدل وضع الأمة من العيش على الفتاة والفقر والذل والهوان، لتصبح أمة تعيش الغنى والعظمة والكرامة في «إذا تغير السلطان تغير الزمان».

كل ما لدينا من عاشوراء… استبدلت «ایران» من الحكومة العميلة التابعة لكل ما يريده الأسياد والاستكبار العالمي، لتصبح «الجمهورية الإسلامية» الحكومة الحرة العزيزة ذات الإرادة المستقلة، المقرة لمصيرها بنفسها، الخاضعة لسيدها وربها، وتحقق بذلك سعادتها في دنياها وفلاحها في أخراهار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى